إنّ نجاح أي عملية تربوية في منظومة ما، يفرض تلقائيا مشاركة الجميع وخاصة في هذه الظروف الصعبة التي فرضت نظاما عالميا جديدا تحت مظلّة العولمة، هذه الأخيرة التي اختزلت المسافات ووحّدت الأمكنة وجعلت العالم قرية كونية صغيرة مصغّرة، أصبحت البشرية تعيش في عالم افتراضي ملؤه التكنولوجيا وفرض الذات، لهذا لابد أن نبدأ من هذه اللحظة محاولة منا لندرك الركب الحضاري واضعين القاطرة على السكة بالاعتماد على طاقاتنا الجديدة المتجددة والتي لم تستثمر بعد رغبة منّا في إضافة شيء خدمة للبراءة ولعالمنا المعاصر الذي يعيش سباقات الهزيمة وجلد الذات، ولكن ما تعيشه منظومتنا التربوية وما طرأ من تغيير جعل مفتشو التربية والتكوين يختلفون في طريقة التعاطي مع هذا الإصلاح فانقسم الخلق بين مؤيد ورافض ومنهم من لم يدل بكلمة، خاف ومن حقه أن يخاف لأنّ الخوف يجري الرجال في الطرقات. ولكن هذا لا أسميه خوفا بقدر ما هو جبن، إنّه لشيء جميل أن يصلح العطار ما أفسده الدهر فيضيف له مسحة من ماكياج يتماشى والتربية حتى تكتمل اللوحة. إنّ لونا ينقصها وهنا لابد أن نكون أكثر جرأة وموضوعية ومنهجية حتى نضيف مسحة فنية تربوية لأنّ العملية حساسة وتتطلب ذكاء وقدرة ومقدرة على قراءتها قراءة إيجابية تعيننا على تتويج عملنا التربوي تتويجا يليق بمنظومتنا التربوية، وبتضحيات شهدائنا الأبرار الذين هم اليوم تراب، من هذا المنطلق أقول سيّدي الوزير إنّ هذه الحصة التطبيقية جيء بها قصد إحداث وضعية تربوية منجزة من قبل أنامل أطفالنا البريئة حتى تكتمل شخصيتهم وتنمو مداركهم الفكرية والوجدانية فيبدعون ويعبّرون عمّا يعيشونه من أمل وألم ليتسع خيالهم ومخيالهم وفق تصوراتهم ورؤاهم. واعتقد أنّ هذا هو التصوّر الذي جاءت به فكرة الإصلاح وما اشتملت عليه من تخفيف أنشطة تربوية وتتويجها بحصة تطبيقية حيث يقسّم الفوج إلى فوجين وهي حصة مشتركة بينها وبين حصة الرياضيات، وهذا على سبيل المثال لا الحصر- سنوات 1، 2، 3 من التعليم المتوسط، ولكن مفتشي المادة يعتقدون عن بساطة أنّ هذه الحصة التطبيقية حصة تسليّة والعاب فكريّة وذلك من خلال إعداد شبكة الكلمات المتقاطعة إلى البحث عن كلمة السرّ إلى رسومات كاريكاتورية تؤخذ من جرائدَ ومجلات دورية، وهنا ضيعت الصيف اللبن واختلط الحابل بالنابل؟ ربّما منظرو التربية في بلدي الجزائر يعتقدون أن هذا الإصلاح جاء لترميم شخصية الطفل من الداخل ليسترجع الطفل ما ضاع منه في مرحلته القاعدية، أو ما سُرق منه عنوة وهنا كالذي يترك الفريسة ويقبض على الظل،فالحصة التطبيقية حصة حسّاسة وفيها يعرف مدى استيعاب التلميذ لما أعطي له من معلومات ومدى قدرة ذاكرته على ترجمتها إلى أرضية واقعه وممارستها في حياته اليومية، أم أن ذاكرته كما تمسك الماء الغرابيل؟ فالحصة التطبيقية التي أدخلت على منهاج منظومتنا حصة تعليمية وليست ترفيهية، إنها فرصة لوضع التلميذ على السّكة وذلك بانتقاء نصوص لدراستها ومعالجتها وفق منهجية علمية وأكثر من هذا وذاك، منذ متى تمكن تلميذنا من آليات القراءة حتى نطالبه بقراءة نقدية لرسم كاريكاتور، وهو مازال يمتص إبهامه، وبناء على هذا من سيرسم هذا الرسم وما هي مواضيعه، أم هو قصاصات من جرائد يوميّة ومجلات دوريّة، ونحن لا نعرف حتى خطّ هذه الوسائل الإعلامية. الرسم فن من الفنون الإبداعية وهو يشبه فن الرقص، والرقص ليس كل من يهزّ البطن راقصا، فالرسم الكاريكاتوري تعبير قائم بذاته، ولكن ليس كل رسم كاريكاتوري يُعطى لطفل مازال يفتش عن هويته، وحتى لا تصبح الحصة مهزلة واستهتار بالقيم والمثل العليا على وزارة التربية الوطنية أن تأخذ القضية مأخذ الجد، قبل أن تفلت الأمور وتنزلق ما بين أصابعنا كما ينزلق الزئبق، وهنا تحضرني مقولة أعرابي وقد حلّ فيه العيد وهو لا يملك في جيبه دينارا، هذا إذا اعتبرنا أن لديه جيبا أم أنّها مثقبة عمّرت فيها الريح، فوقف الأعرابي مناجيا ربّه: ”ها أنا قاعد كما ترى وزوجتي قاعدة كما ترى وأبنائي قاعدون كما ترى، وأنت يا ربنا ماذا ترى فيما ترى؟”. إنّها مشكلة تستحق وقفة قصد البت فيها وليس هناك ما يحول دون ذلك، فأنا أرى لابد أن تتحرك لتعقد ندوات جهوية يحضرها مفتشو المادة، فلقد أصبح المرء اليوم يجري ولا يعرف من ذا الذي يجري وراءه، زمن أغبر حقا. تقفيلة: ”لا تشِ بي إلى سكان المنافذ” [email protected]