برغم اختلافنا الإيديولوجي مع الراحل النجم الشاعر أحمد فؤاد نجم، إلا أننا نبقى نحترم الفاجومي لشعره الصادق والعميق النابع من وجدان الشعب وبالخصوص الفئة المقهورة منه، ولنضاله ضد الاستبداد منذ عهد عبد الناصر إلى عهد مبارك مرورا بالسادات الذي باع القضية الفلسطينية وفسح المجال للإخوان الذين تغوّلوا مع مرور الوقت على المجتمع والدولة من وجهة نظره. ليس من الوارد في كتابتنا هذه تقييم نجم كشاعر، فهذا فن لا نتقنه ولكن كسياسي يستخدم الكلمة ويوظّفها للتعبير عن مواقفه السياسية التي نقبل بعضها ونردّ بعضها الآخر ومن هذه المواقف تلك التي عبّر عنها خلال اللقاء المطول الذي أجرته معه قناة “البلد” المصرية بتاريخ 12 أفريل 2013 أي بأسابيع قليلة قبل الانقلاب على رئيس الجمهورية محمد مرسي. والمدهش أن تنبؤات نجم تحققت وكأنه كان يرى من وراء الحجب، فهو في ذلك الوقت من الحلقة التلفزيونية طالب مرسي بالتنحي من الكرسي والذهاب مع أسرته بعيدا” قال ذلك على خلفية أن مرسي يحمل الجنسية الأمريكية “... قبل أن يسحل ويجرجر كما تم سحل البنات في الطرقات، لأن هناك ثورة قادمة ستحدث بعد ثورة 25 يناير وستقضي على مرسي وعلى أصحابه من الإخوان الذي يعتبرهم نجم غرباء عن مصر التي لا يربطهم بها رباط الوطنية العميق لأنهم حسب زعمه متواجدون في العديد من الأوطان بحكم الأممية التي يدعون ويعملون لها لدرجة أنها من أساسيات تعاليمهم التي تلقوها من زعيمهم التاريخي الإمام حسن البنا الذي هو في الأصل صناعة بريطانية كما يدعي الفاجومي اليساري ذلك، متجاهلا للأسف قائمة شهداء الإخوان في نكبة 1948 ضد إسرائيل ومقاومتهم للانجليز في القنال، ولكن هل من حق نجم أن يفضّل السلفيين على الإخوان، لأن لهم وطن واحد فقط خارج مصر وهو السعودية في عرضه لمثل هكذا مفارقة التي تجعلنا نتخوف ممن يرتمي في أحضان دولة أجنية خارج وطنه أكثر ممن يرتمي بين أحضان متعددة من الدول؟ وهل السلفيون أنصار للإبداع الذي يتخوف ويقلل عليه وهل هم مع الدولة المدنية ومع الديمقراطية وحرية الفكر والرأي، هل هم أصحاب رؤية واستشراف للمستقبل؟ بالرغم من الموقف السلبي من الإخوان الذين يرى بأنهم أعداء للإبداع، إلا أن الراحل نجم عوّل في حديثه التلفزيوني بالبلد على شباب الإخوان بدل الكبار الذي يحملون ميراث المظلومية والعزلة عن المجتمع، شباب الإخوان هؤلاء في نظره لهم تفكير وطموحات غير تلك التي كان يحملها أسلافهم، وذلك لأنهم تربوا في زمن غير زمانهم وسمحت لهم الظروف بالاختلاط مع زملائهم الشباب الآخرين ممن يحملون ثقافة مغايرة، شباب الإخوان من الجيل الجديد قد يحققون ويضيفون شيئا إيجابيا لبلادهم بعدما يتمكنون من كسر قاعدة المبايعة على”السمع والطاعة” ويطبقون قول رسول صلى الله عليه وسلم “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” وفي هذا المقام يعتقد نجم بأن الإخوان لا يحكمون عقولهم وهم يهتمون أكثر بالمرويات، ولكن وأمام هذا التشخيص الأسود لصحيفة الإخوان هل نقر بألوان الظلم المسلط عليهم هذه الأيام حتى طال البنات في عز الشباب ونرضى ونرتضي بسياسة الحكم على الهوية وخلق ثقافة الكراهية والاحتقار ضدهم، أليسوا جزءا أصيلا وأساسيا من المجتمع المصري لا يمكن استبعاده أو القفز عليه اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، هل نلغي من حساباتنا الدنيوية الوصية الربانية “ولا يجرّمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى” والقاعدة الموكلة لها “ولا تزروا وازرة وزر أخرى” أليس من المجحف الحكم على الإخوان بالجملة لمجرد وقوع أحداث معزولة لا يقرّها منهجهم التربوي وقيادتهم ونستنسخ سياسة الستينيات في التعاطي معهم؟ حينما يقول نجم أنه بكى لموت عبد الناصر الذي ألقى به في السجن لأنه “ابننا” على حد تعبيره وينظم في حقه قصيدة بعنوان “زيارة لقبر عبد الناصر” وحينما يلتمس العذر لوزير الداخلية السابق زكي بدر الذي أجمعت كل الطبقة السياسية والثقافية والفنية بما فيها الكوميدي عادل إمام على جوره وطغيانه، لأن “عقله معمول كده ومن أن يده بيضاء ولم يسرق، فهذا ادعى ليلتمس نجم الأعذار للآخرين لأن عقلهم معمول كده” إذا سلمنا بقاعدة شاعرنا المشاغب ولكن بالرغم من السقوط الذي وقع فيه شاعرنا الراحل نبقى نحبه ونذكر محاسنه كما نذكر مساوئه، فلا نغفر له حينما لا يرى وينكر أية فضيلة في صفوف الإخوان ومن جرى مجراهم، فهو حينما سئل عن الشيخ حازم أبو إسماعيل رد بأنه لا يقدم شيئا للمجتمع ومن أنه بلطجي ومحام فاشل وابن تاجر عملة وكل تاجر عملة هو خائن ولا يمكن أن يحس بالغلابا وبالفقراء، وهنا لا بد من وقفة تأمل، فحينما سألت الكاتب والإعلامي بن عيشة عن الشاعر نجم قبل رحيله بسنوات، أجابني بأسف شديد بالقول “بأنه لم تعد تربطه أية صلة بنجم لأنه تغيّر كثيرا بعدما زحف عليه نعيم الثراء وسحر الظهور الإعلامي في العديد من القنوات الفضائية و لم يعد نجم ذلك النجم الذي عرفته” وهنا أترك للقارئ حرية تأويل هذا الخطاب...