تجارة: تسجيل أزيد من 18 ألف مخالفة خلال النصف الأول من شهر رمضان    الطبعة ال14 للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الشعبي تنطلق يوم الخميس المقبل بالجزائر العاصمة    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48577 شهيدا و112041 مصابا    حج 2025: انطلاق عملية حجز تذاكر السفر عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي: ضرورة وضع استراتيجية مناسبة لحماية القصر    المصادقة على القانون المتعلق باختصاصات محكمة التنازع يعزز من استقلالية القضاء    الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة    فضل الجلوس بعد صلاة الفجر    تصفيات مونديال الإناث 2025 لأقل من 17 سنة: "الخضر" على بعد خطوة من المونديال    مونديال-2026: استدعاء المدافع صهيب نايرلأول مرة    الاحتلال المغربي يجدد استهدافه للمناضلين الحقوقيين الصحراويين    كرة الريشة/ كأس "سوديرمان" الدولية: المنتخب الجزائري في المجموعة ال1 رفقة الصين, هونغ كونغ وتايلاند    إطلاق أول مركز حوسبة عالي الأداء للذكاء الاصطناعي في الجزائر:خطوة استراتيجية نحو السيادة الرقمية    تلمسان: انطلاق الطبعة الثامنة لليالي الخط والمخطوط    الكيان الصهيوني يشن سلسلة غارات على جنوب لبنان    المهرجان المحلي للإنشاد بقالمة: رفع الستار عن الطبعة التاسعة    الرابطة المحترفة الأولى : شباب بلوزداد واتحاد الجزائر يتعادلان (1-1)    الأمن الحضري الأول حجز قنطار لحوم بيضاء فاسدة    حجز 34 حاوية محملة بالموز بعنابة    الجزائر الجديدة المنتصرة بقيادة رئيس الجمهورية وفية لالتزاماتها    البكالوريا المهنية يجري التحضير لها بالتنسيق مع قطاعات أخرى    بلمهدي يشرف على إطلاق مصحفين إلكترونيين وآخر بالخط المبسوط    تحميل الملفات وإرسالها ليس لها أجل محدد وهي عملية مفتوحة    السلطة والشعب وبناء دولة..!؟    عملية الختان من الضروري أن تجرى في وسط استشفائي    حجز 34 حاوية بموز    فضيحة جديدة لحكومة المغرب    إطلاق مصحف الجزائر بالخط المبسوط    الدفع عبر النقّال.. مزيدٌ من الإقبال    تكريم 50 طالباً جزائرياً    صافرة مصرية للصدام الجزائري    إبراز مناقب الشيخ محمد بلقايد    مستوطنون يُدنّسون الأقصى    فرنسيون يُدينون جرائم الاستعمار    مسابقة وطنية لأحسن الأعمال المدرسية    الجزائر تتجه لتوطين صناعة الدواء بمختلف الأصناف    وسام ذهبي للاستحقاق الأولمبي والرياضي للرئيس تبون    ندوة فكرية بمناسبة الذكرى ال 63 لاغتياله..مولود فرعون قدم أدبا جزائريا ملتزما ومقاوما    النفاق الفرنسي.. كفى! حان وقت الحقيقة    اليمين المتطرّف في مواجهة غضب الشارع بفرنسا    اليد الممدودة للجزائر تزعج فرنسا وغلمانها    هكذا يتم تدعيم وكالة ترقية الاستثمار بالعقار الاقتصادي    جاهزون لموسم حصاد استثنائي    عبر البوابة الجزائرية للحج وتطبيق "ركب الحجيج"..حجز تذكرة السفر إلى البقاع المقدسة ابتداء من اليوم    "الطعام الجاهز".. بديل مثاليٌّ للعزاب والعاملات    400 وجبة يوميا للعائلات المعوزة    روائع من زمن الذاكرة    أنا "على ديداني" وزولا ترعاني    في الهند..غير المسلمين يُعدُّون طعام الإفطار للصائمين    تطبيق رقمي خاص بقطاع المجاهدين    عوار يغيب لأسبوعين بسبب مشكلة عضلية جديدة    غويري يشبه أجواء ملعب "الفيلودروم" بمباريات "الخضر"    الإشهار المفرط ينفّر متابعي المسلسلات    تحديد تاريخ مسابقات الالتحاق بالدراسات الطبية للمقيمين    الحقن وطب الأسنان لا يفسدان الصيام والمرضع مخيَّرة بين الفداء أو القضاء    الجوية الجزائرية تذكّر بالزامية اختيار رحلة الحج    هكذا تحارب المعصية بالصيام..    حفظ الجوارح في الصوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليهود يحلمون بالعودة إلى الجزائر
تقلص عددهم من 25 ألف في 62 إلى 200 في 1982
نشر في الخبر يوم 04 - 04 - 2014

ينتظر يهود الجزائر وأبناؤهم ممن أنشأوا مواقع الكترونية ك«زلابية" و«هريسة" و«باقلاوة" و«الخامسة"، انفراجا في دورة التاريخ بالجزائر لعلهم ينعمون بظروف جديدة وهم الذين يعيشون تمزقا في الهوية، حتى باتوا يرفضون رفضا قاطعا اسم "الأقدام السوداء"، ويقولون إن لهم منتسبا و«وطنا" كانوا يعيشون فيه. هؤلاء أصبحوا يتابعون كل صغيرة وكبيرة عن الجزائر، حتى أنهم ينتقدون الحساسية التي نمت وتشكلت في مخيلة الجزائريين إزاء اليهود، متسائلين عما يرون بأنه ضعف التسامح الديني في الجزائر على خلاف ما هو عليه الأمر في كل من تونس والمغرب.
تشير مراجع تاريخية إلى أنه مباشرة بعد مفاوضات إيفيان التي انتهت باتفاق حول وقف إطلاق النار في شهر مارس من عام 1962، بدأت الهجرات الجماعية لليهود من الجزائر باتجاه فرنسا والأراضي المحتلة، وتزامن ذلك مع الظرف الدولي المتميز بالصراع العربي الإسرائيلي، ما قاد بالتالي إلى إشعال فتيل الخلافات بين المسلمين واليهود في الجزائر، وفي العالم العربي والإسلامي.
وكان عدد اليهود في الجزائر خلال الثلاثي الأخير من سنة 1962 لا يتجاوز ال25 ألف نسمة، بينهم 6 آلاف نسمة في العاصمة، ولكن الجالية اليهودية تقلص عددها بنحو 90 في المائة عند مطلع سبعينيات القرن الماضي، ليصل إلى نحو ال1000 شخص بفعل تواصل الهجرات باتجاه فرنسا والأراضي المحتلة، لأن اليهود كانوا ينظرون للآفاق المستقبلية في الجزائر بعين الريبة والشك، خاصة وأن اغتيال شيخ ”المالوف” في قسنطينة (ريمون) في مطلع ستينيات القرن الماضي، كان بمثابة إنذار واضح للجالية اليهودية التي تكون قد فهمت أن التاريخ بدأ يضغط بثقله، ولاسيما أن موقفها من الثورة الجزائرية كان موقفا متفرجا، وفي أغلب الأحيان موقفا خادما ومستفيدا من الاستعمار الفرنسي (مترجمين وجواسيس).
قوانين الجزائر لا تمنع اليهود
لكن الهجرة هذه لم تكن نتيجة الخوف من تصفية حسابات قد تطال اليهود وحسب، بقدر ما هي هجرة لها أسبابها الاقتصادية والسياسية غير المساعدة على البقاء أيضا، بحسب ما تشير إليه بعض الخطاطات التاريخية، إذ أن غياب بوادر الديمقراطية في البلاد مباشرة بعد الاستقلال وعدم انفتاح السلطة على المجتمع، في ظل تواصل الصراع بين العصب الحاكمة آنذاك، فضلا عن التوجه الاشتراكي للبلاد. كل هذه العوامل جعلت البورجوازية الصغيرة الناشئة من اليهود، ولاسيما في قطاع التجارة، تفقد الأمل لغياب الضمانات التي تجعلها تواصل عملها، والأمر نفسه بالنسبة للبورجوازية الصغيرة الناشئة المشكلة من التجار الجزائريين الآخرين، لأن الرغبة في الاستثمار وتطوير رأس المال يقابله بيئة ديمقراطية وحقوقية يمكن الرجوع إليها عند حدوث تجاوزات. هذا الوضع يقود إلى طرح تساؤل آخر كان الأستاذ في علم الاجتماع السياسي محمد هناد قد أثاره: لماذا التزمت السلطات العمومية الصمت إزاء هجرات باقي الأقليات من الأوروبيين وليس اليهود فقط، ممن عاشت لفترة طويلة في الجزائر؟
وكان اليهود خلال الحقبة الاستعمارية، وحتى بعد الاستقلال، أصحاب حرف في مجالات النسيج، الصياغة (الذهب والفضة). بل واستنادا إلى تحقيق أنجزه لويس ماسينيون سنتي 1925 و1943 بكل من الجزائر وصفاقس، فإن حرفة النسيج حققت نجاحا لا نظير له وكان لها فروع خاصة بخيوط النسيج والحرير، فضلا عن الخياطين والمختصين في صناعة الزرابي. أما بالنسبة للصياغة (الذهب والفضة)، فكان لها بين 5 و6 فروع. وحسب ماسينيون، كانت متواجدة بقوة في شمال المغرب العربي، وفي الجزائر كانت متمركزة في العاصمة وتلمسان وقسنطينة وغرداية وبسكرة والأغواط. كما كانت بعض المناطق معروفة بهذه الحرفة في منطقة القبائل الكبرى، مثل بني يني وتاقمونت إيغيل علي والأوراس وواد سوف وجبال عمور وآفلو، وكذا منطقة ڤرارة وتوات، وخاصة بمنطقة تامنطيط بولاية أدرار.
واستفاد يهود الجزائر من قانون كريميو الصادر في 24 أكتوبر من عام 1870، المتضمن استفادتهم من الجنسية الفرنسية، ما أتاح لنحو 35 ألف يهودي الاستفادة منها مرة واحدة في ظرف عام. واستثنى المرسوم المسلمين ويهود منطقة ميزاب بغرداية وما جاورها، على اعتبار أن يهود هذه المنطقة يسري عليهم قانون إداري خاص يختلف عن القانون الساري في باقي المناطق الأخرى. وكرس مرسوم كريميو قوانين جول فيري المتضمن جعل التعليم إجباريا ومجانيا لليهود. ولكن استثناء المسلمين من الحقوق التي كرسها القانون ولّد ردود أفعال وأحداث دامية من قبل المسلمين في العاصمة ووهران وقسنطينة ومدن أخرى. وتواصلت عمليات استهداف اليهود إلى أن جاءت حكومة فيشي التي تخلت عن العمل بقانون كريميو، وكان ذلك سببا في هجرة حوالي 25 ألف يهودي بين 1948 و1962 إلى إسرائيل. وردّ اليهود على بيان أول نوفمبر الذي دعاهم للالتحاق بالثورة والوقوف إلى صف القضية الوطنية قائلين: ”نحن فرنسيون، نحن جمهوريون، نحن ليبراليون”. ولكن مقابل ذلك، لم تتضمن قوانين الجمهورية الجزائرية أي بند ينصص على حظر أو منع تواجد اليهود فوق أراضيها، ولا حتى إكراهات أو مضايقات في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وكل ما كان هي هجرات تمت بمحض إرادتهم، برغم أن الرئيس الراحل هواري بومدين، استنادا لروايات شفوية لم يكن يوما ما مرتاحا لليهود بالجزائر.
الشاذلي تحداهم
كما تشير المراجع التاريخية نفسها، إلى أن هجرة اليهود تواصلت على نحو لم يعد هناك تواجد مرئي لهم في عدة مدن جزائرية، بينها العاصمة ووهران وتلمسان والبليدة والمسيلة وميلة وتيزي وزو، وغيرها، بدليل أن المعبد اليهودي بوهران حول إلى مسجد سنة 1975، بينما دنست عديد المقابر اليهودية في عدة مدن من التراب الوطني، بينها مقبرة بولوغين التي أعيد ترميمها اعتبارا من سنة 2003. وتواصلت هجرة اليهود من الجزائر إلى الخارج في عهد الرئيس السابق الشاذلي بن جديد، بدليل توفر إحصائيات تشير إلى أنه سنة 1982 لم يبق إلا نحو 200 يهودي بالعاصمة، ذلك في غمرة تواصل مناصرة ومساندة الجزائر للقضية الفلسطينية، بل واحتضانها لحدث تأسيس هذه الدولة شهر نوفمبر من سنة 1988.
اعتبروا (الفيس) خطرا داهما
وعجّلت الأزمة الأمنية التي أنتجت سنوات الفوضى والجنون الإرهابي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، برحيل ما تبقّى من اليهود خوفا من عمليات انتقامية وتصفيات قد تطالهم، بعد أن نجح آخرون في الاندماج لدرجة الانصهار داخل المجتمع الجزائري. ومع ذلك، فإن مصادر أمنية أسرت ل«الخبر” أنه خلال عشرية الدم وفي أثناء عمليات تفتيش ومراقبة، أقيمت على مستوى بعض الحواجز الأمنية، تم التعرف على بعض الشباب ممن ينتمون للجالية اليهودية بالجزائر وتم إخلاء سبيلهم من غير مضايقات. وما فهمناه منهم، هو أن مصالح الأمن آنذاك تكون قد تلقت تعليمات بشأن حماية وعدم مضايقة أفراد الطائفة اليهودية.
ويعترف بعض المحللين الاجتماعيين بالجزائر، أن ظهور الحزب المحل (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، مطلع تسعينيات القرن الماضي، كانت تعتبره الجالية اليهودية تهديدا واضحا لمستقبلها في الجزائر، ما جعلها تبادر بالرحيل نحو الخارج حتى قبل تدهور الوضع الأمني، فقد كان أتباع وأنصار (الفيس) ينعتون الأجانب من الأوروبيين والأمريكيين ب«الكفار”، وأصدرت حتى فتاوى تبيح قتلهم. بل وأبعد من كل ذلك، أنه باسم الأصالة والمعاصرة أبيدت عائلات جزائرية وذبح أطفال ورضع وبقرت حوامل، بحسب ما يشير إليه المحلل في علم الاجتماع السياسي الهواري عدي.
جرعة أكسجين بمجيء بوتفليقة
لكن وبعد مرور عامين من مجيء الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم، حدث نوع من الانفراج في مسار تعامل السلطات الجزائرية مع يهود الجزائر. ففي سنة 2003، تم ضبط مخطط عملي مشترك بين السلطات الفرنسية والجزائرية يقضي برد الاعتبار للمعابد والمقابر اليهودية، بدليل أنه أعيد ترميم مقبرة بولوغين بعد أن رصد لها غلاف مالي قدّره القائم على تسيير مؤسس المقابر والجنائز بمليار و800 مليون سنتيم. وعرفت مقابر في قسنطينة وعنابة والبليدة وتلمسان وبوسعادة المصير نفسه، ولو أن تعاليق بعض يهود الجزائر عبر مواقع الكترونية تقول إن مشروع رد الاعتبار للمعابد والمقابر اليهودية ظل حبرا على ورق. لكن هل ستقبل السلطات الجزائرية على المضي في القيام بخطوات أخرى مكملة لترميم المقابر وهي مسألة المعابد؟
مظاهر الانفراج في التعامل مع يهود الجزائر اتضحت أكثر سنة 2006، عند مصادقة البرلمان الجزائري على قانون حرية الديانات الذي قاد إلى اعتماد جمعية دينية يهودية كان يرأسها روجي سعيد، الذي توفي قبل عامين. هذه الجمعية الدينية تنشط بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية الجزائرية. وبين مظاهر الانفراج أيضا، مصافحة الرئيس بوتفليقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك خلال جنازة ملك المغرب الحسن الثاني. كل هذه الخطوات فتحت أعين يهود الجزائر لترقب خطوات أخرى، آملين انفراجا في دورة التاريخ لعلها تأتي لهم بالسلام المفقود، حتى أن عددا منهم أصبح لا يفوت أي مناسبة إلا وتحدث عن قضية التعويضات من نحو الإشاعة التي خرجت للعلن سنة 2005، مفادها أن السلطات الجزائرية ماضية في تعويض اليهود ممن غادروا الجزائر سنة 1962، وذلك على هامش ملتقى يهود قسنطينة نظم بفلسطين المحتلة، وعادت الإشاعة ذاتها إلى الواجهة مع زيارة نحو 130 يهودي لمدينة تلمسان. بل وقبل نحو العام، طالبوا بتعويضهم عن عقارات في الصحراء وخنشلة وباتنة.
تخلوا عن أملاكهم بإرادتهم
الطيب لم يبق له إلا بضعة أيام ويقفل دائرة ال79 عاما، عايش أحداث الثورة الجزائرية ويقول ”هؤلاء اليهود كانت لهم أملاك في شكل منازل وفيلات ومحلات تجارية بساحة الشهداء وديدوش مراد والعربي بن مهيدي وباب الوادي وغيرها. ولكن حسب علمي، هم من تخلى عن هذه الأملاك بمحض إرادتهم”. وأضاف: ”اليهود كانوا أصحاب حرف، ولكن أغلبهم كان يميل إلى صناعة الذهب والمتاجرة به، وهي حيلتهم في جمع الثروة، ومن ثمة نسج علاقات نفوذ”.
ويتذكر الطيب جوانب من حياة اليهود في باب الوادي، فقد كانت أحياؤها مركزا حيويا لهم، فهناك وعلى بعد أمتار من مستشفى ”مايو” يقع المعبد الذي كانوا يؤدون فيه طقوسهم من غير حرج. أما اليوم ما عاد المعبد هذا تستقطب إليه قوافل اليهود، بل تحوّلت إلى زاوية معزولة محاطة بركامات الأوساخ والقمامة لم يجرؤ عمال مؤسسة (نات كوم) على نزعها وتنظيفها، خشية أن تراهم باقي أعين الجزائريين وتضعهم موضع المتضامن مع اليهود، يقول أحد أبناء باب الوادي، بل ولم يجرؤ حتى المواطنون ممن يزعمون أنهم أصحاب ثقافة متوسطية على تنظيفها.
يهود الجزائر يتابعون أخبار ”الخضر”
لكن هل مازال جيران اليهود في أحياء ديدوش مراد والعربي بن مهيدي وساكري كور وساحة الشهداء وباب الوادي، والقصبة، يتذكرون بحماسة الحياة الجميلة في تلك الأحياء، يتذكرون حفلات زفافهم ومناسبات أعيادهم ورحلات تنزههم؟ مازال الكثير من العاصميين يتذكرون جيرانهم اليهود، ومن بينهم سعيد، سائق سيارة أجرة، الذي يتذكر كيف كانت (رينات)، سيدة يهودية تشتغل لدى إحدى العائلات الجزائرية الثرية بالقصبة ”حين جاءها إخوتها من فرنسا ليأخذوها معهم خلال عقد السبعينيات، رفضت الذهاب وردت عليهم بأنها تعيش حياة سعيدة وكريمة مع جيرانها الجزائريين في القصبة. هؤلاء أعادوا الكرّة عدة مرات، ولكنها رفضت، إلى أن تقدمت في السن، فقررت الذهاب معهم”. ومثلما رفضت (رينات) في البداية الهجرة إلى الخارج، رفض يهود آخرون، يضيف سعيد، ولازال بعضهم في باب الوادي والقصبة ورايس حميدو، يشتغلون كأطباء ومهندسين وصيادلة وتجار، لكنهم كائنات غير مرئية.
اليوم وفي غمرة التوافد الكبير للأقدام السوداء على العاصمة وباقي المدن الجزائرية كتلمسان بوسعادة وقسنطينة وعنابة، والبليدة، وسيدي بلعباس وغيرها، للبحث عن ذكرياتهم الجميلة وأخذ صور تذكارية لهم، يفكر يهود الجزائر ممن عادوا لطرح مسألة الهوية بحدة في فرنسا في العودة إلى الجزائر، وهم الذين يرفضون اليوم اسم (الأقدام السوداء) ويقدمون أنفسهم على أنهم أبناء الجزائر منذ أزيد من ألفي عام. هؤلاء أخترع أبناؤهم مواقع الكترونية بأسماء حلويات شعبية تقليدية كالباقلاوة والزلابية والهريسة والخامسة، وباتوا يتابعون كل شيء عن الجزائر، كما لو أنهم يسهرون في أحياء باب الوادي، ويسبحون في شاطئ العقيد عباس ويدرسون بدالي إبراهيم ويأكلون بشارع طنجة، ويتابعون تفاصيل مستجدات الفريق الوطني لكرة القدم. هؤلاء يطرحون أسئلة على هذه المواقع من نحو: ”لماذا مثلا اليهود في الجزائر لا يتمتعون بحق ممارسة الشعائر الدينية بشكل عادي، في وقت نجد فيه أن حرية ممارسة هذه الشعائر الدينية مضمونة في هذا البلد ولا يوجد أي بند في القانون الجزائري يمنع تواجد اليهود في البلد؟”.
زيارات سرية
ما عرفناه في محيط مقبرة بولوغين، أن اليهود يزورون ذويهم في المقبرة خفية، بل وفي أوقات خاصة، وأحيانا برفقة عناصر الشرطة عندما يتعلق الأمر ببعض العائلات والشخصيات النافدة، تبعا لما أفاد به مواطنون يقيمون قبالة المقبرة، وربما أن الفضاء العاصمي غير متقبل لهذه الطقوس على اعتبار أن ولاية الجزائر هي العاصمة السياسية للبلاد. لكن الطرح القائل بغياب ثقافة التسامح الديني، يجانب الحقيقة ويغطي على الصفحات التاريخية المشرقة من مراحل تعايش اليهود مع الجزائريين لعدة قرون، بدليل أن الأسقف السابق هنري تيسيي الذي كان يسيّر كنيسة السيدة الإفريقية، يعترف خلال إعادة تدشين الكنيسة بعد ترميمها بمساعدة من ولاية الجزائر، أن ”الحدث هو دليل على مدى تسامح الشعب الجزائري مع الديانات والثقافات الأخرى في البحر الأبيض المتوسط ومدى تقبله للآخر”. والاعتراف ذاته قدمته نحو 10 شخصيات أجنبية، بينها الرئيس الفرنسي جاك شيراك. ومع ذلك، فإن بعض المثقفين ممن يشتغلون في جامعة الجزائر يقولون إنه ليس لديهم أي مشكلة مع اليهود، في حد ذاتهم، على اعتبار أنهم كانوا جزءا من المجتمع الجزائري، فضلا عن كون حالة التعايش بينهم وبين العرب في الأندلس كانت قائمة على أسس حضارية، وإنما المشكلة هي مع النظام العنصري الإسرائيلي.
موقف غير مشرّف
ويرى المحلل الاجتماعي محمد طيبي أن ”إشكالية يهود الجزائر ليست مرتبطة بالدين كدين، وإنما مرتبطة بالتاريخ ومواقفهم من مسائل جوهرية متعلقة بالتراب وبالمجتمع الجزائري، فهؤلاء لهم مشكلة مع الجزائر كوطن”. وأضاف ”هذه المشكلة في اعتقادي هي أنه في زمن المحنة والمخاطر التي فرضها الاستعمار الفرنسي بالتحديد، لم يكن للنخب السياسية والمالية اليهودية موقفا مشرّفا إزاء الوطن الذي يعيشون فيه”. والدليل على ذلك ”وجود 03 قضايا جوهرية متعلقة بذلك، الأولى أنه قبل استعمار الجزائر، أي خلال نهاية القرن الثامن عشر كان للرأس مال اليهودي دور في تفكيك المنظومة الاقتصادية آنذاك، كسيطرتهم على عمليات جمع القمح والمتاجرة به، والثانية تكمن في كأنهم كانوا على استعداد لدخول فرنسا الجزائر ولم تذكر لهم أي مقاومة، بل على العكس من ذلك تحوّل بعضهم إلى جواسيس للجيش الفرنسي. والمحطة الثالثة، تكمن في أنهم قبلوا بمحض إرادتهم التخلي عن الجزائر كوطن وأخذ الجنسية الفرنسية مع مرسوم كريميو سنة 1871 الذي يعود الفضل لاستصداره إلى رئيس وزراء الحكومة الفرنسية وهو يهودي ألأصل”.
لكن كل ذلك لا يلغي أزمة اليهود كأقلية قديمة في الجزائر، لأن ”الوثائق المتوفرة تكشف أن إسرائيل ويهودها في قسنطينة مثلا كانوا سندا للقوات الفرنسية التي قامت بعمليات حربية ضد جبهة التحرير في قسنطينة”. أما بشأن قضية التعويضات، فإنه ”بحكم أن القانون الفرنسي يصنف اليهود كمعمرين تطبق عليهم بنود اتفاقيات إيفيان التي تنصص على حق الجزائريين في استرجاع أراضيهم، فضلا عن كونهم تركوا البلاد بمحض إرادتهم، أنهم استفادوا من استعمار فرنسا للجزائر، في وقت قبل فيه الجزائريون التعايش معهم لدرجة التعاطف معهم”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.