تنفرد الوطني" بنشر أبرز المقاطع من المحاضرة المثيرة للجدل التي إضطر صاحبها إلى إلقائها باختصار، تحت ضغط "عامل الوقت"، كما تردد في أول ملتقى دولي لتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، بعنوان "تاريخ حاضرة تلمسان ونواحيها"، لصاحبها الدكتور أمزيان حسين أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بالمدرسة العليا للأساتذة. وتم إدراج الدراسة المحاضرة، ضمن المحورالرابع الخاص الذي يعنى بتلمسان ونواحيها من 1830 إلى 1962 تحت عنوان المقاومة الوطنية في الغرب الجزائري. وتكشف الدراسة التي قدمت في الملتقى عن حقيقة النفوذ اليهودي في الجزائر إبان العهد العثماني عموما وبتلمسانووهرانوقسنطينة خصوصا، وامتداداهم في عاصمة الزيانيين، لدرجة أنهم تلقوا حماية خاصة من طرف الكراغلة لأنهم كانوا يتفننون في صناعة الحلي للنساء حسب ما جاء في الدراسة التاريخية التي حملت عنوان"تاريخ حاضرة تلمسان ونواحيها"، والمثير في الصفحة السادسة من المحاضرة التي حملت طابع الدراسة التاريخية أن صاحبها ذكر بأن دليل تلمسان الصادر سنة 1921 جاء فيه مايلي :"من المحتمل أن يكون أهالي تلمسان قد احتفظوا بوثنيتهم ويهوديتهم لفترة طويلة" دون أن يوضح الباحث المصادر والأسس التي إعتمد عليها الدليل في ذلك، كونه يقدم عملا مثيرا للجدل استنادا إلى الكتابات الفرنسية حول اليهود الذين عاشوا في تلمسان، ولا يتعلق الأمر بالذين قدموا من فرنسا، بعد احتلال الجزائر، لكن بالذين جاؤوا عقب سقوط الأندلس. ويستهل الباحث الدراسة بالإشارة إلى فكرة تثير الجدل الكبير طرحها محمد ديب في وقت سابق تقول:"من وجهة نظر تاريخية، وإلى وقت قريب، لم يكن سكان الجزائر يعرفون بعضهم البعض كجزائريين ...لأننا لم نكن جزائريين سوى من وقت قريب .. وهكذا صرنا اليوم نعرف أنه لابد وأن تكون لنا نحن كجزائريين ذاكرة" حيث يريد الكاتب أو الباحث في المحاضرة القول، أنه لابد من الاطلاع على تاريخنا دون عُقد لأنه جزء من ذاكرتنا. في البداية تطرق الباحث إلى يهود الجزائر أواخر التواجد العثماني، حيث قارب عددهم عشية منحهم الجنسية الفرنسية بعد احتلال الجزائر نظيره في فرنسا وفلسطين أي نحو 50 ألف يهودي، وهو رقم كبير جدا مقارنة بنسبة السكان وقتها. وقد تطور التواجد اليهودي في الجزائر من 1851 أين بلغ عددهم 21 ألف يهودي في الجزائر إلى 73967 يهودي في عام 1921 أما في سنة 1901 فبلغ عددهم 57131 يهودي وقفز الرقم سنة 1911 إلى 70271 يهودي. وأرجع الباحث تاريخ التواجد اليهودي في الجزائر إلى ما قبل صدور قرارات 1391 بعد تردي أوضاعهم في إسبانيا وأوروبا عموما. وبلغ عدد اليهود في العاصمة عام 1830 نحو 20 بالمائة من سكان لمدينة البالغ عددهم آنذاك 6500 نسمة بينما بلغ عددهم في تلمسان 3000 نسمة وفي قسنطينة 4000 نسمة، ويؤكد الكاتب أن عدد اليهود في هذه المدن كان يتجاوز عدد الأتراك، وفي واقعة نادرا ما يتم تداولها، أشار الباحث إلى المساعدات التي قدمها اليهود لخير الدين بارباروس، ونعلم أن الأتراك كانوا في حرب مع الإسبان والزيانيين أواخر أيام الدولة الزيانية، وقد ساعد المدعو لفورون الإخوة بارباروس في الإستيلاء على قلعة "بينو" حيث علمه كيفية صناعة القنابل ويؤكد الباحث أن اليهود القادمين من إيكاليا وجزرها والذين تعاونوا مع البحرية العثمانية في المتوسط، تمكنوا فيما بعد من استغلال الأوضاع الصعبة لدايات الجزائر، كي يحصلوا منهم على حق إحتكار تجارة الصوف والجلود والشمع وغيرها، فضلا عن تمتعهم بحماية القنصل الفرنسي، مما أدى إلى تعاظم نفوذ عائلات بكري وبوشنق ونافتالي ويوسف بكري، وفي استعراضه لتاريخ التواجد اليهودي في تلمسان، يبرز الدكتور أمزيان تاريخ تلمسان وحضارتها والمراحل التي مرت بها باعتبارها قصة حرب من أجل الحرية ثم يقول :"تتحدث بعض الروايات عن هجرة يهود مصر إلى تلمسان، إثر تهديم معبد أونياس في مدينة الإسكندرية، وربما كان ذلك هو سبب تسمية اليهود لمعبدهم الثاني في تلمسان الذي شيّده الحاخام صامويل بن راب ب مصرية" ثم يتطرق إلى أبرز الشخصيات المحورية في التاريخ اليهودي بالمنطقة المنحدرين من تلمسان ويذكر على سبيل المثال :الحاخام إفرايم انكاوا المتوفي عام 1442 م الذي تحول قبرهه إلى مزار لليهود كن مختلف دول العالم. والحاخام يهودا ساسبورتاس المتوفي عام 1492م المنحدر من عائلة آل ساسبورتاس وهي واحدة من أعرق العائلات اليهودية بوهران، الذين ينتسب إليهم حاخام تلمسان الذي أصبح فيما بعد حاخام امستردام بهولندا إبان القرن التاسع عشر. ويواصل الباحث والأستاذ أمزيان ذكر الشخصيات البارزة من يهود مدينة تلمسان، وعلى رأسهم العالم جوزوي بن يوسف هاليفي الذي اشتهر بمؤلفه حاليكوث أولاموهو مدخل ممتاز للدراسات التلمودية ألفه في طليطلة عقب فراره إليها، وإضافة إلى هذا، هنالك الحاخام جاكوب براب وهو من أشهر الفتيان الذين فروا من الأندلس، حيث حل بتلمسان وعمره 18 سنة، والذي تمكن بفضل نشاطه أن يصبح واحدا من أكبر حاخامات اليهود إلى جانب زميله الألماني جاكوب بولاك. كما يعتبر الكاتب سعدية شوراكي احد أبرز مشاهير يهود تلمسان، الذي ألف في القرن السابع عشر كتابا في الرياضيات باللغة العبرية. بعدها تطرق الباحث أمزيان إلى تطور الوضعية السياسي لليهود في ظل الحكم الفرنسي الإستعماري، ويتطرق الكاتب إلى الشكوى التي سلمها كبير حاخامات وهران ماهير شرلقيل لنابليون في زيارته الثانية للجزائر عشية حرب 1870 وكانت الشكوى موجهة من طرف 1554 شاك. حيث قبل نابليون مبدأ التجنيس الجماعي لليهود وهذا ما أدى إلى صدور قانون كريميو بعد ذلك. المحاضرة تعتبر وثيقة تاريخية ودراسة ثرية تستحق المراجعة والإهتمام وقد أثارت الكثير من الجدل والنقاش في تلمسان قبيل وبعد إلقائها باقتضاب .