ترتسم في الأفق معالم خارطة سياسية جديدة، على ضوء ما أفرزته نتائج انتخابات 17 أفريل، تجمع بين جزء من أحزاب المعارضة، في كتل سياسية موسعة، بينما يكتفي الجزء الآخر بالعزف منفردا. ورغم أن المعارضة بمختلف أطيافها متفقة على هدف تغيير النظام بالطرق السلمية، إلا أنها تختلف في الأساليب والاستراتيجيات، ما يهدد بتشتيت جهدها الميداني، وهو أكثر ما تبحث عنه السلطة. وتمثل الكتلة الأولى مجموعة من الأحزاب والشخصيات، بدأت عملها المشترك قبل الرئاسيات تحت مسمى “تنسيقية الأحزاب المقاطعة”، حيث أعلنت موقفا يدعو لمقاطعة هذا الموعد الانتخابي بحجة عدم نزاهته. وتتكون هذه الكتلة من أحزاب حركة مجتمع السلم والنهضة والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة العدالة والتنمية وجيل جديد، وكذلك المترشح السابق للرئاسيات أحمد بن بيتور. ويقول محمد ذويبي، الأمين العام لحركة النهضة، إن هذه الكتلة ستواصل العمل بعد الرئاسيات، من أجل التحضير ل”ندوة الانتقال الديمقراطي”، وسيتحول اسمها إلى “التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي”. وتلتف الكتلة الثانية حول المترشح الرئاسي، علي بن فليس، بعد أن ساندته في الانتخابات الرئاسية التي حل بها في المرتبة الثانية. وترفض هذه الكتلة التي أطلق عليها اسم “قطب القوى من أجل التغيير”، نتائج الانتخابات التي تصفها بالمزورة وتدعو إلى إعادة الشرعية الشعبية إلى أصحابها. ويضم القطب الجديد حزب العدل والبيان، وجبهة الجزائر الجديدة، وحركة الإصلاح الوطني، وحزب الفجر الجديد، وحركة الانفتاح، والحركة الوطنية للأمل، وحزب الوطنيين، والجبهة الوطنية للحريات، والحزب الوطني الجزائري واتحاد القوى الديمقراطية. ويعتبر هذا القطب السلطة القائمة سلطة فعلية فرضها التزوير ويتم التعامل معها على هذا الأساس قصد العودة إلى احترام الإرادة الشعبية في كل القرارات التي تعني المصلحة العليا للوطن. وتدعو أرضيتها السياسية إلى فتح حوار مع الشركاء الذين يتقاسمون المسعى الأساسي من أجل التغيير للدفع بفتح حوار وطني شامل يتوخى إعادة بناء الشرعية. وبالموازاة مع ذلك، يأخذ حزب جبهة القوى الاشتراكية، مسافة من هذين التكتلين الناشئين، رافضا الانخراط في أي منهما، انطلاقا من موقفه المغاير في الرئاسيات، حيث اعتبر المشاركة في هذا الموعد “غير معقولة”، لكنه لم يدع بوضوح للمقاطعة رغم أنه “يحترم هذا الخيار”، لأن المقاطعة، حسبه، لا تمثل لوحدها البديل “للوقوف في وجه النظام الحالي الرافض للتغيير”. لكن مسؤولي الأفافاس استغلوا إحياء ذكرى اغتيال المحامي، علي مسيلي، للتعبير عن تثمينهم لدعوة عدد من الأحزاب والشخصيات الوطنية لمرحلة انتقالية ومجلس تأسيسي، وهو المطلب الذي لم يتوقف الأفافاس عن تبنيه منذ بداية الأزمة السياسية في الجزائر، عقب توقيف المسار الانتخابي في سنة 1992. ودعا أمينه العام، أحمد بطاطاش، جميع الأحزاب، التي تشاطره الرؤية في حل الأزمة، إلى بناء إجماع وطني، دون أن يحدد آليات ذلك. ويكتمل المشهد المعارض في الجزائر بظهور شخصيات سياسية تبوّأت مناصب سامية في هرم الدولة، تطرح تصورها للحل، مثل رئيسي الحكومة السابقين، مولود حمروش الذي يعول على المؤسسة العسكرية في قيادة التغيير، وسيد أحمد غزالي الذي رفضت السلطة اعتماد حزبه السياسي، إلى جانب الرئيس السابق اليامين زروال الذي لا يزال يرى أنصاره أن له دورا في المرحلة القادمة، إلى جانب وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي. واللافت أن هذه الشخصيات تكتفي بلعب دور “الضمير” و”المنظر”، بينما تبقى قدرتها على العمل الميداني محدودة نظرا لعامل السن. ويخشى متابعون للساحة السياسية في الجزائر، أن يؤدي هذا التفكك الذي يميز عمل المعارضة، وغياب إطار جامعي أو آلية لتنسيق الجهود بينها إلى تشتيت صوتها، ما سيؤدي بالضرورة إلى الفشل في تحقيق هدف التغيير الذي تصبو إليه، خاصة أن ميزان القوى يميل بشكل واضح إلى السلطة التي لا يوجد ما يدفعها حاليا للمرور إلى مرحلة انتقالية، بعد أن اكتسبت “شرعية” جديدة بخمس سنوات أخرى.