حق المواطن الجزائري في كيس من الحليب، داسته أرجل المنتج تارة والوسيط تارة أخرى، والتاجر أحيان كثيرة.. وعندما يصبح كيس حليب حلم الجزائري ثم يستيقظ دون أن يضمن الحصول عليه فجرا، لا يمكن أن نتحدث عن ندرة أو انقطاع، بل عن سياسة وطنية لحماية المواطن الجزائري من عبثية تقاذف التهم، من حيث صار الضعفاء رهائن مزاجات لم تستطع الدولة بكل مؤسساتها أن تضع حدا لها حماية لكرامة مواطنيها . يكاد غياب حليب الأكياس في الأسواق والمحلات التجارية بالعاصمة يصبح شبه يومي منذ عدة أشهر، إما بسبب الإضرابات المتكررة لعمال مركب الحليب كوليتال في بئر الخادم، أو بفعل ندرة غبرة الحليب بعد ارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية، وخلق حالة من الاضطراب في توزيع هذه المادة الواسعة الاستهلاك. وعليه، لم يعد المواطن يسأل كثيرا عن موعد وصول شاحنة الحليب، بقدر ما يسأل عن الأسعار الجديدة الخاصة بالحليب المعلّب المتوفر لمن استطاع إليه سبيلا. فشلت إدارة مركب الحليب في بئر الخادم في توفير أكياس الحليب لسكان العاصمة بسبب إضراب العمال، وفشلت أكثر عندما حاولت أن تعوّض ذلك النقص باللجوء إلي وحدتي أعريب بولاية عين الدفلى ووحدة بودواو لإنتاج 28 ألف لتر فقط، بينما احتياجات العاصمة تتجاوز سقف 400 ألف لتر في اليوم. ولم يتردد مواطن التقينا به، أمس، بحي عين النعجة عن التعبير عن استيائه من الطريقة التي توزيع فيها كمية من أكياس الحليب المنتجة بوحدة بودواو، فوصفها ب”المهينة”، بعد أن جعلت شاحنة محمّلة بأكياس الحليب المواطنين يركضون وراءها للظفر بكيس حليب، والذي بيع لنا، يقول مواطن آخر، ب35 دينارا بدل 25 دينارا، كما هو مقنن بقرار من وزارة التجارة. ولم يتردد شيخ متقاعد سألناه عن غياب كيس الحليب في المحالات التجارية وترقب الكمية القليلة القادمة من بودواو، في وصف الشاحنة ب«هلال رمضان الذي ننتظره بفارغ الصبر متى تحل علينا ونحصل بواسطتها على كيس حليب، الذي أصبح الشغل الشاغل لمعظم المتقاعدين”. موزعو الحليب هم كذلك ضحايا التحق موزعو الحليب بقائمة ضحايا الإضراب الذي دعت إليه نقابة مركب الحليب كوليتال ببئر الخادم، فهؤلاء وجدوا أنفسهم في بطالة مقنعة يقضون معظم أوقاتهم أمام مدخل المركب لعل وعسى يستأنف العمال نشاطهم حتى يتمكنوا من توزيع أكياس الحليب على مختلف أحياء العاصمة، لكن هذه الوضعية، يقول أمين بلور ممثل الموزعين لأكياس الحليب بالاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، عقدت من وضعيتهم وزادت من متاعبهم المالية، فظروف عملهم غير مشجعة وانعكست على مستوى العمل، في وقت أصبحت فيه تكاليف توزيع الحليب عبئا عليهم، يقول أحد الموزعين العاملين على مستوى خط باب الوادي عين البنيان غرب الجزائر، فنسبة الهامش من سعر البيع التي تمنح للموزعين لم تتغير منذ أكثر من 15 سنة، علما، يقول المتحدث نفسه، بأننا وسطاء بين مركب الحليب وزبائنه، إذن فالموزع لا يحمل صفة تاجر، لأنه لا يملك حق تحديد السعر واختيار الزبون. وككل مرة، يحدث التقاذف في المسؤولية، وحتى وإن عادت الأمور إلى مجراها لبرهة، سرعان ما ”تعود حليمة لعادتها القديمة”، ويوضع المواطن رهينة هذا الثلاثي دونما الوصول إلى حل جذري، يثبت فعلا أن أزمة الحليب ”حكاية قديمة”.