تقسيم العالم الإسلامي إلى أجزاء متصارعة مشروع "صهيو-غربي" منذ القدم، وعرف المشروع عدة مراحل ومرّ بظروف مختلفة جعلته يظهر ويختفي ويقوى ويضعف، ودخلت عليه كثير من التعديلات والتحيينات حسب المستجدات، وكان يتكيف معها بالقدر الذي يسمح باستمرار المشروع، ولو بأشكال مختلفة وأسماء مستعارة لتغليط الرأي العام ودفع بعض الأطراف العربية والإسلامية للانخراط فيه، سواء بعلمها أو غير ذلك. ويستهدف المشروع بالتقسيم إضعاف قدرات بعض الدول العربية لكي لا تتفوق على الكيان الصهيوني في كل الجوانب، خاصة الجانب العسكري، بالخصوص دول الجوار، وأيضا تعطيل القدرات التنموية وتبديد الثروات ليتحكموا فيها من خلال الحروب الأهلية والفتن الداخلية والإرهاب المحلي والدولي. يعتبر أصحاب المشروع كل مشاريع الوحدة والاتحاد والعمل المشترك، سواء في الإطار الثنائي أو الجماعي، في الأمة تهديدا لمشاريع التقسيم والتفتيت التي يسعون لتجسيدها، ومن هنا يعملون على إفساد كل هذه المشاريع بإحداث الأزمات بين الدول وترسيخ القطيعة بكل الأشكال وعلى كل المستويات. ويستعمل المشروع “الصهيوغربي” كل ما يوجد في هذه الدول من عوامل التنوع والثراء والتباين والتراكمات عبر الزمن في سياق الصراع والصدام، ويعجن كل ذلك في مشروع تمزيق الوحدة الوطنية لكل بلد، ويعرض سيادتها للاهتزاز فتخرج مشاريع الانفصال والتقسيم للعلن وتجد طريقها للواقع، ويأتي المجتمع الدولي لترسيم ذلك بهيئات أممية ومنظمات غير حكومية قريبة من دوائر “صهيوغربية”، مثلما حدث في تيمور والسودان وما هو قادم أعظم. وأخطر ما يوظف في هذه المرحلة هو الجماعات الإسلامية المسلحة، التي تنطلق من خلفية دينية وتصور إسلامي منحرف وخطير أقل ما يقال عنه إنه “تصور تدميري وقفز في الفراغ والهواء الطلق”، لأن هذه الجماعات قائمة على ثلاثة مرتكزات عقيدية خطيرة تعمل في جوهرها على التصنيف البشري الذي يؤدي إلى التوزيع الجغرافي أو المكاني، أو ما يعرف في الفقه بمفهوم الديار (دار الإسلام ودار الحرب ودار الكفر ودار عهد)، وهذا في تنفيذه وتجسيده يقترب من مقاصد التقسيم في المشروع الصهيوغربي في تقسيمه للعالم الإسلامي. المرتكزات الثلاثة هي: أولا: يمثلون دون غيرهم بشكل واضح عقيدة التوحيد ونصرة الدين ومحاربة المشركين، ومن ليس معهم فهو في حكم المحارب وجب مقاتلته، وهو مشرك حتى لو كان له معتقد ودين. ثانيا: عقيدة التوحيد في حاجة لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا يقتضي أرضاً وجغرافية محددة، ولا يحتاج لتحرير الأرض أو إسقاط نظام ووضع نظام بديل له يحكم بما أنزل اللّه تعالى من أحكام الشريعة. ثالثا: هذه الأرض التي تقام فيها الشريعة الإسلامية يجب أن يكون فيها خليفة قائم على أمرها وشعب يمتثل لها ويبايع الخليفة على حمايتها، وكل من يخالف ذلك فإما يقتل أو يرحل إلى دار الكفر، وليس في عقيدتهم إلا أحكام الإسلام أو الجزية والحماية لهم أو مقاتلتهم وقتلهم. ومن خلال هذه المرتكزات يمكن لأي تنظيم يعتقد ذلك أن يدمر الوطن ويشتت شعبا ويمزق وحدته ويندفع فيما يخطط له من طرف القوى الصهيوغربية، خاصة مشروع تدمير القدرات الوطنية وتهديم السيادة وتمزيق الشعب وتشكيل تكتلات فيه بشكل عدائي، حيث يصعب ترميم الوحدة الوطنية، خاصة إذا استعملت ورقة العرقية والقبلية والطائفية والدينية. إن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) يشكل بامتياز هذه الصورة، بل هو في طليعة هذا المشروع عندما استولى على الموصل وأعلن الخلافة منها، ودعا كل المسلمين لمبايعته وحدد جغرافيته من شمال غرب العراق إلى شمال شرق سوريا، ويريد أن يمتد إلى لبنان شرقا، وهناك رجع الصدى لهذا النداء في ليبيا والساحل ونيجيريا (بوكو حرام) والقائمة مفتوحة. «داعش” يريد تقسيم ديار المسلمين إلى عدة ديار، ويحدد فيها طريقته للتعامل معها؛ إما البيعة أو السيف أو الجزية. فالتنظيم يمثل مرحليا مشروعا فوضويا تخلط به الأوراق في المشرق، ويشكل نزيفا قاتلا للقدرات القومية والوطنية والإسلامية في كل المنطقة، حيث تظهر بمظهر اللاأمن، ويفتقد الاستقرار وتتعطل التنمية وتنهب الثروات المختلفة التي تزخر بها المنطقة، خاصة النفط، وتزداد حياة الشعوب تعقيدا، وعندها تؤمن إسرائيل وتأمن من التهديدات الخارجية، وعندها تستفرد بالمقاومة والشعب الفلسطيني في غزة وبعدها الضفة الغربية ومعه السلطة. يتبع..