لم يكن أحد من متتبعي الكرة الجزائرية، ولا حتى أشد أنصار وفاق سطيف “شوفينية”، يتصور بأن هذا الفريق الشاب والمشكل في غالبيته من لاعبين مغمورين، سيرفع راية الجزائر عاليا في إفريقيا.. لاعبون انتدبتهم إدارة الرئيس حمّار حتى يبني بهم فريق المستقبل، وهو الذي وضع إستراتيجية ترتكز على التكوين ولعب نهائي رابطة أبطال إفريقيا لموسم 2016، غير أن هذه التشكيلة اختزلت التاريخ والمسافات، وقرر هؤلاء الشبان تنشيط نهائي 2014 لرابطة أبطال إفريقيا، بعد أن أطاحوا بأقوى الأندية في هذه المنافسة، على غرار كوتون سبور الكاميروني والترجي التونسي، وأخيرا مازيمبي الكونغولي. من تابع الموسم الكروي الموسم المنقضي يتذكر جيدا أن كرة القدم في العالم شهدت وسجّلت أمرا لم ولن يحدث في تاريخ اللعبة الساحرة.. بكل بساطة، وجد وفاق سطيف، ومعه شباب قسنطينة، يلعبان في اليوم ذاته مقابلتين، أي كل فريق يلعب مقابلتين، ولحسن الصدف أنها لم تكن في الوقت ذاته وإلا لدخلنا كتاب غينيس للأرقام القياسية.. والسبب أن الرابطة الوطنية المحترفة لكرة القدم أجبرت ممثلي الجزائر في المنافسات القارية على الالتزام بلعب مقابلات البطولة المحلية وكأس الجمهورية دون طلب تأجيلها، وهو ما كان، حيث لعب قسّم شباب قسنطينة ووفاق سطيف تعدادهما إلى فريقين، واضطرا إلى اللعب على كل الجبهات، وإذا كان الحظ غير مبتسم مع “السنافر”، فإنه كان عكس ذلك مع النسر الأسود. عناصر مغمورة تصنع عملاق إفريقيا الجديد الوفاق يعيد للأندية الجزائرية هيبتها تمكن فريق وفاق سطيف، وبفضل مجموعة من الشبان المغمورين، أن يعيد للأندية الجزائرية هيبتها على الصعيد القاري، بعد أن فشل كل ممثلي الجزائر في هذه المنافسة وبتسميتها الحالية من تجاوز المربع الذهبي خلال كل المشاركات السابقة، حتى إن الكثير من مسؤولي أنديتنا أصبحوا يفكرون في الانسحاب من هذه المنافسة، بدعوى عدم قدرة الكرة الجزائرية في الوقت الراهن على محاكاة تطور الأندية الإفريقية المهيمنة على هذه المنافسة، وخاصة “تي بي مازيمبي” والترجي التونسي والأهلي المصري، غير أن الوفاق تمكن بفضل إرادة شبانه وحنكة مدربه الشاب، خير الدين ماضوي، وشجاعة وجسارة رئيسه، حسان حمّار، أن يقلب الموازين رأسا على عقب، ويضرب بكل التكهنات عرض الحائط، ويفتح باب العودة للكرة الجزائرية لتتسيد القارة من جديد على مصراعيه. مغادرة كوادر الفريق وتفكير بالانسحاب من المنافسة كان فريق الوفاق قاب قوسين أو أدنى من الانسحاب من المنافسة، بعد إلحاح الرابطة و«الفاف” على الأندية الجزائرية بالانسحاب من هذه المنافسة، بالنظر إلى البرمجة المحلية الصعبة للبطولة والكأس الجزائريتين، وتزامنهما وتأهل المنتخب الوطني لنهائيات كأس العالم بالبرازيل. وكانت إدارة الوفاق حينها في ورطة كبيرة، إذ إن المنطق والتفكير في مصلحة الفريق كانا يقضيان بضرورة اتخاذ قرار شجاع بالانسحاب، خاصة وأن تجربة جمعية الشلف كانت قريبة إلى الأذهان، إضافة إلى مغادرة جل العناصر التي كانت وراء نيل لقب البطولة والذي سمح للفريق بالمشاركة في رابطة أبطال إفريقيا، وعلى رأسهم عودية وبلقايد ومعمري ولخضاري وشعلالي ثم القائد دلهوم، وكان الوضع حينها ينذر بعدم قدرة الوفاق على خوض هذه المنافسة بعناصر جديدة، غير أن إصرار الأنصار وتشجيعهم لحمّار بضرورة رفع التحدي والمضي قدما في هذه المنافسة كانا كافيين لاتخاذ قرار المشاركة، وتحدي البرمجة النارية للبطولة التي هددت بها الرابطة الأندية التي تتخذ قرارا بالمشاركة. تشكيلة متكاملة بعثت برسالة قوية من الكاميرون انطلق فريق وفاق سطيف وبتركيبته الشبانية في هذه المنافسة بكل قوة، فبعد أن ضمن الفريق تأهله من الدور الأول بعد انسحاب ممثل الكرة الغامبية فريق بيكو، سحق ممثل الكرة البوركينابية فريق آسفا انينغا بخماسية نظيفة في سطيف، وتعادل أبيض خلال مباراة العودة، ليخوض بعدها الفريق محكا حقيقيا خلال الدور الأخير حينما أوقعته القرعة مع ممثل الكرة الكاميرونية فريق “كوتون سبور”، الذي سبق له تنشيط الدور نصف النهائي في الطبعة الفارطة، وهو ما جعل كل المتتبعين يجزمون بأن الوفاق سيخرج كعادته من هذا الدور ليتوجه إلى منافسة كأس “الكاف”، وزادت شكوك الأنصار بعد إخفاق الفريق في تسجيل نتيجة مريحة خلال مباراة الذهاب بسطيف، حينما اكتفى زملاء القائد ملولي بتحقيق فوز بسيط بهدف نظيف، تلاه احتجاج اللاعبين على تأخر الإدارة في تسليمهم رواتبهم، ثم مقاطعتهم للحصص التدريبية، وسفرهم في آخر لحظة للكاميرون من أجل لعب المباراة لتجنب عقوبة قاسية من “الكاف” ليس إلا. غير أن أشبال المدرب ماضوي قلبوا كل التكهنات، وأحدثوا مفاجأة من العيار الثقيل حينما تمكنوا من الإطاحة بعملاق الكرة الكاميرونية في عقر داره، حيث فازوا عليه بهدف نظيف، وعادوا بتأشيرة التأهل لدور المجموعات، وبالتالي بعثوا برسالة قوية لكل مشكك في قدرة المجموعة على صنع المفاجآت وتحقيق النتائج الإيجابية في هذه المنافسة. نزيف يصيب الوفاق وتشاؤم بمغادرة دور المجموعات شهد فريق الوفاق بعد تأهله لدور المجموعات نزيفا حادا مس التشكيلة، وخاصة اللاعبين الذين كانوا مؤهلين لخوض منافسة دور المجموعات من رابطة أبطال إفريقيا، حيث غادر الفريق زبدة اللاعبين منهم قراوي وزيتي وقورمي وبن عبد الرحمان والعقبي وناجي وفراحي وطيايبة وبوعزة وطواهري والحارس غول، وهو ما جعل الأنصار يتشاءمون من قدرة العناصر البديلة على المنافسة في دور المجموعات، ولم يكن أحدا يتوقع تألق شبان في صورة لقرع وعروسي وبوكرية والعمري وجحنيط وبلعميري في هذه المنافسة وإكمال المسيرة وتحمل العبء الكبير الذي تركه المغادرون. عناصر مغمورة تبهر الجميع وتحقق المستحيل دخل فريق وفاق سطيف منافسة دور المجموعات تحت شعار تحقيق نتائج إيجابية، والسماح للعناصر الشابة باكتساب الخبرة، غير أن خرجة الفريق لمواجهة عملاق الكرة التونسية والإفريقية الترجي التونسي، بملعب رادس، قلبت كل التكهنات، ومكنت الفريق من العودة بالزاد كاملا بعد الفوز بهدفين لهدف، الأمر الذي أعاد الأمل للأنصار وشجع مجموعة اللاعبين المشكلين للفريق والمؤهلين إفريقيا، وكانوا لا يتجاوزون ال19 لاعبا من أصل 25 ٍإجازة إفريقية ممكنة، للمضي بثبات في هذه المنافسة، رغم التعادل المسجل أمام الصفاقسي بسطيف بهدف في كل شبكة خلال المباراة الثانية، وتعادل آخر أمام ممثل ليبيا أهلي بنغازي بهدف في كل شبكة، غير أن قوة الفريق ظهرت خارج سطيف، حينما تمكن الفريق من هزم الليبيين في تونس بهدفين نظيفين، وتحقيق تعادل إيجابي بصفاقس أمام الفريق المحلي بهدف في كل شبكة، ليضمن بذلك الفريق تأهله للدور نصف النهائي من هذه المنافسة من دون انهزام في كل المباريات التي خاضها. الوفاق يعيد كتابة التاريخ من لومومباشي من الفوارق العجيبة التي سجلها فريق وفاق سطيف في هذه المنافسة هو تسجيله لانهزام أول في هذه المنافسة في لوموباشي، غير أن هذا الانهزام، وبنتيجة ثلاثة أهداف لهدفين، كان في الوقت نفسه يمثل الانتصار في مجموع المباراتين اللتين جمعتا الفريقين في الدور نصف النهائي، بحيث كان الوفاق قد فاز في ملعب الثامن ماي بسطيف بهدفين لهدف، وسمح للفريق بالعبور إلى الدور النهائي، وإعادة كتابة تاريخ الكرة الجزائرية في هذه المنافسة بحروف من ذهب، بعد أن كتبها صانعو ملحمة 88، حينما تمكن سرار وزرقان وغريب وعجاس ودودو وعجيسة وعصماني وآخرون من فك شفرة الأهرام والتأهل على الفراعنة في الدور نصف النهائي بمصر، هذا الإنجاز الأخير رفع حاجز الخوف عن الأندية الجزائرية التي أيقنت في وقت سابق أن هذه المنافسة لم تخلق لها، وأن الفرق مازال شاسعا بينها وبين عمالقة هذه اللعبة في إفريقيا. إيمان كبير بقدرة هذه المجموعة على إكمال المسيرة بتتويج تاريخي لم يبق أحد من متتبعي الكرة الجزائرية يشك في قدرة أشبال المدرب خير الدين ماضوي على إكمال آخر خطوة من مسيرة الألف ميل وإحراز هذا اللقب التاريخي، والذي ستكون أبعاده كبيرة بالنسبة للكرة الجزائرية، التي أثبتت قوتها على مستوى المنتخبات الأولى الإفريقية. ويبقى الجميع ينتظر عودتها من بوابة فريق وفاق سطيف على صعيد الأندية، وهي المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق هؤلاء الشبان الذين سينشطون مباراة العودة في التاريخ نفسه الذي قرر فيه شبان الجزائر من أمثال بن بولعيد وبن مهيدي وعميروش تفجير الثورة الجزائرية. وعود بمنح أخرى في حال إحراز الكأس والي سطيف يسلّم لاعبي الوفاق 20 مليونا أقام والي سطيف، محمد بودربالي، سهرة أول أمس، مأدبة عشاء على شرف أسرة وفاق سطيف، بمقر الولاية، حيث انتهز الوالي هذه المأدبة ليسلم اللاعبين منحة التأهل للدور النهائي من رابطة أبطال إفريقيا، إذ تسلم كل لاعب 20 مليون سنتيم. وقد حث الوالي اللاعبين على ضرورة مضاعفة الجهود من أجل إحراز هذه الكأس التي أصبحت قريبة من سطيف، ووعد بمنح أخرى مغرية في حال تحقيق هذا الإنجاز. وقد حضر المأدبة، إضافة إلى أسرة وفاق سطيف، مجموعة من المستثمرين والمقاولين الذي ساهموا في هذه المنحة. الوزير تهمي زار اللاعبين في مدرسة “الباز” انتهز وزير الرياضة، البروفيسور محمد تهمي، زيارته الميدانية لسطيف لينظم مأدبة غذاء على شرف الفريق المتربص بالمدرسة الوطنية لرياضات النخبة بسطيف. وقد هنأ الوزير لاعبي ومسيري ومدربي الفريق على الإنجاز الكبير الذي حققوه بمناسبة تأهلهم للدور النهائي من منافسة رابطة أبطال إفريقيا، دون أن يعد اللاعبين بمنح أو تحفيزات في حال الحصول على هذه الكأس. كما رد الوزير عن سؤال لأحد الصحفيين حول إمكانية تدخله لتمكين الوفاق من الظفر بشراكة مع إحدى المؤسسات الوطنية الكبرى، كما حصل مع الأندية التي تعاقدت مع شركة سونطراك، بالقول “لم يعد الآن في الإمكان إرغام أي شركة على الدخول في شراكة مع أي فريق كان، وعلى الأندية أن تبحث عن شركاء لها”. نشير إلى أن الوزير كان قد وقف على مشروع إنجاز الملعب الكبير ببلدية أولاد صابر، والذي يتسع ل50 ألف متفرج، وكان رئيس الجمهورية قد منحه خلال سنة 2007 دون أن تنطلق به الأشغال لحد الساعة، وتوقفت الأمور عند الدراسة التقنية للمشروع، وقد وعد الوزير باختزال مدة الإنجاز من 48 شهرا إلى 36 شهرا دون أن يتمكن أحد من معرفة تاريخ انطلاق الأشغال. وكان الوزير الأول لدى زيارته للمشروع في أكتوبر من سنة 2013 قد أكد أن الأشغال ستنطلق قبل نهاية تلك السنة لكن من دون جدوى. وقد تم إبرام عقد سبونسور بين إدارة وفاق سطيف ومؤسسة فاديركو بقيمة مليار و500 مليون سنتيم على هامش زيارة الوزير لسطيف.