انفجر عون الحماية المدنية باكيا وهو يتحدث عن الكيفية التي حاول بها إنقاذ سيدة كانت تعيش اللحظات الأخيرة من حياتها، وقال محمد كانت تقول بلغتها ”واغي واغي” بصوت خافت لم أفهم إلا بعد أن فارقت الحياة، حيث قال لي رجل نيجيري جريح نقل للعلاج في مستشفى متليلي إنها كانت تبحث عن ابنتها البالغة من العمر 16 سنة تدعى واغييو، والتي نجت من الحادث.. كانت هذه صورة خاطفة للرحلة المأساوية التي انتهت بها رحلة المهاجرين النيجيريين فجر أمس بغرداية إثر حادث مرور عندما اصطدمت حافلتهم القادمة من ميلة باتجاه بلدية حاسي الفحل 150 كلم جنوب عاصمة ولاية غرداية، وهو الحادث الذي خلّف 11 قتيلا و16 جريحا. كانت الساعة تشير إلى الخامسة من صباح أمس، عندما دوّت صفارات الإنذار في مقر الكتيبة الإقليمية للدرك الوطني منصورة، ومقر الوحدة الثانوية للحماية المدنية في حاسي الفحل، وجاء البلاغ من سائق سيارة المرافقة التي كانت ترافق حافلة الترحيلات، وأبلغ أحد المرافقين عن الحادثة وكان في حالة انهيار، بعدها تنقلت قوة من الدرك الوطني ومجموعة تدخل من الحماية المدنية إلى الموقع البعيد عن مدينة حاسي الفحل ب25 كلم، وبدا أن إمكانات مجموعة التدخل غير كافية للتعامل مع الكارثة، العملية انتهت في غضون أقل من ساعتين، وقد استنفرت المصالح الطبية في مستشفى متليلي مستخدميها الطبيين وشبه الطبيين، وعملت الطواقم الطبية في مستشفى متليلي بكل طاقتها من أجل إنقاذ حياة 8 جرحى كانت إصاباتهم خطيرة من أصل 16 جريحا، ومع حلول الصباح كانت مصلحة حفظ الجثث بمستشفى متليلي قد استقبلت 11 جثة بما فيها جثة طفل حديث الولادة، ونقل الجرحى إلى مستشفيي متليلي وغرداية. الضحايا كانوا 8 نساء وأطفال و3 رجال من بينهم جزائريين اثنين، وقد فتحت قيادة الدرك الوطني بولاية غرداية تحقيقا في حادث، تصادم بين حافلة النقل من نوع تويوتا وشاحنة، وقد تسببت الحمولة الزائدة للشاحنة في زيادة قوة الاصطدام. وحسب مصدر من المجموعة الولائية للدرك، فإن كل الاحتمالات ما زالت قيد التحقيق، وقد أمر النائب العام لدى مجلس قضاء غرداية وكيل الجمهورية بمتليلي بالتحقيق في الحادثة. ”بقائهن في الجزائر كان هو قدرهن” خلع ضابط الدرك الوطني قبعته من هول المشهد..جثة جنين تخرج من بطن أم فارقت الحياة في الحادث، كان المشهد مؤلما لدرجة أن عملية إسعاف الجرحى توقفت لبعض الوقت، يقول عون الحماية المدنية محمد ”حاولت أن أعطيها الماء ظنا مني أنها تريد شرب الماء، لكنها ظلت تردد ”واغي” حتى فارقت الحياة، ولم أشاهد في حياتي حادث مرور بهذه البشاعة، ففي مكان قريب من جثة السيدة أنومو خرج جنين من جثة سيدة حامل فارقت الحياة وامتزج دم الجنين بدماء أمه في صورة مرعبة”. ويضيف ”كانت الساعة الخامسة فجرا.. البرد كان شديدا واضطررنا للعمل تحت الأضواء الكاشفة، تلقينا أوامر بالبحث بسرعة عن الأشخاص الذين ما يزالون على قيد الحياة من أجل إسعافهم، وتمكّنا من تجميع الجرحى، وبدأت عملية النقل، لكن المهمة الأكثر صعوبة ومأساوية كانت قد بدأت للتو ”فتجميع جثث القتلى كان عمل مؤلم، ففي هذا المكان يوجد جزء من دماغ، وفي مكان قريب توجد أحشاء من بطن بقرت. مسؤولو عدة وزارات بغرداية تعمل وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الداخلية وقيادة الدرك والوطني ومديرية الحماية المدنية، على إعداد تقرير أولي حول الحادث، في انتظار نتائج التحقيق الذي يجريه الدرك الوطني. ووصل مساء أمس، أمين عام وزارة الداخلية رفقة مدير عام الحماية المدنية مصطفى لهبيري والأمناء العامون لوزارات النقل، التضامن، الصحة وهي الوزارات التي تشكلت منها اللجنة الوزارية للإشراف على ترحيل المهاجرين السريين النيجريين، بالإضافة إلى مسؤول من الهلال الأحمر الجزائري، كما تترقب السلطات المحلية بغرداية بين الحين والآخر وصول سفير النيجر في الجزائر إلى غرداية. تاريخ حافل بالمجازر في الطريق الوطني رقم واحد يعدّ حادث المرور المأساوي الذي وقع فجر أمس، واحد من سلسلة المجازر الجماعية في شطر الطريق الوطني رقم واحد جنوب ولاية غرداية. ففي الفترة بين عامي 2009 و2011 وقعت 4 حوادث مرور جماعية، وفي شهر جويلية2011 قتل 145 شخص في حادث انقلاب سيارة نفعية كانت تقلّ أفرادا من أسرتين، وفي جانفي 2010 أدى اصطدام حافلة لنقل المسافرين بشاحنة بضائع لمقتل 17 راكبا قضى أغلبهم حرقا. وفي سنة 2009، سجل الطريق الرابط بين المنيعة وعين صالح 3 حوادث مرور خلّف أحدها 7 قتلى والثاني 4 والثالث 5 على التوالي، مما يرفع عدد قتلى حوادث المرور الجماعية في المنطقة إلى 45 شخصا في غضون أقل من عامين ويدفع للمطالبة مجددا بتدعيم مصالح الحماية المدنية في هذه المناطق النائية من الطريق الوطني رقم واحد.