قبل استعراض بعض الأفكار حول إمكانية التغيير السلمي والإيجابي للنظام، علينا إسقاط 3 أوهام تكاد تتحول إلى عناوين لعصرنا. الوهم الأول: وهم “الشعب المستقيل وغير المعني بالسياسة”، والحقيقة أن الشعب الجزائري بكل طبقاته يتحدث ويتنفس ويفكر بالسياسة، ولعلنا من أكثر الشعوب اهتماما بالسياسة حتى لدى من يسمون “تقنيي المعرفة”، أي الأطباء والمهندسين وغيرهم ممن يدعون أنهم مكتفون بممارسة مهنتهم. الوهم الثاني: مقولة “المعارضة ضعيفة ولا يمكنها تشكيل بديل أفضل للنظام”، والحقيقة أن المعارضة قوية لأنها تستمد قوتها من الشعب الذي يقف حاليا في غالبيته العظمى في جهة المعارضة. حتى الكثير من إطارات الدولة الذين يمارسون وظائفهم بحياد في الظاهر، هم رافضون داخليا هذا التراجع والانهيار في كل ممارسات ونشاطات الدولة، وبالتالي هم من يشكلون حصنا قويا للتغيير السلمي، وإذا كان هناك من يلاحظ التشتت والاختلاف في جهود هذه المعارضة، ففي اعتقادنا أن ذلك ظرفي ويعود فقط للتمييع الممارس من طرف هذا النظام وزبانيته، فحين تظهر قضية كبرى وجادة مثل قضية تغيير النظام، حينها ستجمع المعارضة قواها وتمارس مسؤوليتها بكفاءة عالية. الوهم الثالث: وهم المؤسسة العسكرية ودورها في التغيير، فالبعض يرى ضرورة إشرافها وحمايتها لمرحلة انتقالية، وآخرون يحملونها مسؤولية الرؤساء الذين خرجوا من بطنها وأوصلوا الجزائر إلى ما وصلت إليه. وفي اعتقادنا أن المؤسسة العسكرية حاليا رهينة هذا النظام، مثلها مثل كل المؤسسات الدستورية، علاوة على أن قيادتها ليست كلها نظيفة وبعيدة عن ملفات الفساد والرشوة والتبعية السياسية، فمن غير المعقول أن نطلب من قيادة عسكرية الإشراف على التغيير وحمايته وهي جزء حيوي مما يجب تغييره، وبالتالي علينا أن نبحث عن حل آخر. سقوط هذه الأوهام الثلاثة مثل سقوط جدار برلين لتوحيد الألمان، لأن وراء ذلك الجدار قوة وعدالة وحقوقا وحريات، أي كل ما يحفز الشعب على النهضة والقيام على مصيره، وفي ذلك بشكل خاص: شرعية شعبية وتاريخية لحكم الجزائريين والاندفاع بهم نحن مستقبل أفضل. سنبحث أولا عن إمكانية التغيير من الداخل عبر مساهمة رموز النظام في انتقال سلمي وإيجابي للنظام، وفي اعتقادنا أن أفضل من يسقط ذلك الجدار البغيض هو الرئيس في حد ذاته، وسيكتب له التاريخ ذلك. فإذا ما اعترف بعجزه عن القيام بوظائف الدولة وفتح المجال أمام خيارات دستورية أخرى، ومنها تكليف هيئة انتقالية مدنية وعسكرية من بينها رئيسا غرفة البرلمان للإشراف على انتخابات رئاسية مبكرة شريطة أن تشرف عليها هيئة مستقلة، ويرمي بالتغيير بين يدي الجزائريين مثلما رمى العربي بن مهيدي بالثورة إلى الشارع، فسيكون الانتقال حينها سلميا وإيجابيا إلى عصر آخر وديناميكية وطنية أخرى. لا شك أن البعض سيتساءل عن ضمانات هذه الهيئة الانتقالية ومدى مصداقيتها وحيادها في ضمان انتخابات مبكرة نزيهة وشفافة، وهو تساؤل نتفهم مرجعياته بالنظر لما حدث في بداية التسعينيات عن خرافة الانتخابات النزيهة والشفافة؟! ولكن في اعتقادنا أن الهيئة التي ستجتمع فيها عقول متعددة وجهود ومهمة محددة، مهما كانت النوايا والخلافات بينها، سيحسمها الشعب عبر أغلبية انتخابية، وهو طموح على الجميع أن يعمل على تحقيقه مهما كانت الظروف والنوايا. لا نرغب في إملاء شروط على الرئيس حول نوعية اختياراته لرجال المرحلة الانتقالية، فهو في سنه وخبرته بالرجال والنوايا يعرف من هم الأكثر تأهيلا لقيادة تلك المرحلة، وإنما نشير فقط إلى أن تنوع مرجعيات أولئك الرجال، سياسيين وعساكر ومن مارسوا وظائف دولة، سيكون لصالح التغيير المتوازن والإيجابي. هذا في رأينا المقترح الأول للانتقال بالنظام إلى مرحلة جديدة وجريئة عبر مؤسساته الدستورية، وسنرى في الأسبوع القادم مقترحا آخر عبر نفس المؤسسات.