يُمنع سير مركبات الوزن الثقيل من صباح يوم الاقتراع لصباح اليوم الثاني. تُغلق كلّ الأسواق الأسبوعية. تتوقف قطارات الشحن. تُؤجل كلّ التظاهرات الرياضية. تُغلق المدارس يوما قبل الموعد.. ويهجر الطلبة الجامعة أياما قبل الموعد.. أمور تجعلك تظن بأنّ طبول الحرب قد دقت، بل تبعث لديك شعورا كبيرا بالخوف والرعب. اندفع النّاس إلى المحلات التجارية لاقتناء كميّات معتبرة من المواد الغذائية. وتسابق السائقون لمحطات الوقود للتزود، بل أكثر من ذلك سُجل إقبال مكثف لشراء العملة الصعبة، وكأنّ الجميع قد جهّز نفسه ورتّب أموره للسفر والهروب؟! أحد المواطنين باع سيارته منذ شهر على أمل استبدالها، أجابني وأنا أسأله عن سبب تماطله: ”بعد الانتخابات إن استقرت الأمور اشتريت وإلا هاجرت وأموالي بجيبي”. قال لي ابني: ”بعد السابع عشر من أفريل سنتخذ إسبانيا ملجأ لنا، أليس كذلك يا أبي أم تفضّل بلدا آخر؟”. شهدت الأيام الأخيرة قبل الموعد احتشاد عشرات بل مئات من رجال الأمن بالمدن.. والقرى. تعجّبت من حجز قاعة للرياضة طيلة فترة الحملة الانتخابية لتُسخّر لنشاطات المترشحين، وتوقيف التدريبات وإرجاع الرياضيين لمنازلهم إلى إشعار آخر. قلت وابني يشكو إليّ ذلك: الحياة لدينا تُضبط على عقارب الحيّاة السياسية وتتوقف بتوقفها. ..وشهدت يوم الاقتراع بعض المدن والكثير من القرى شللا في حركة المرور ونقصا كبيرا في وسائل النقل العمومية والخاصة، وأغلقت المحلات التجارية وهجرت الإدارات والمرافق العمومية. وأنا أتأمل هذا المشهد تذكرت كيف انتقل فرانسوا هولند، المترشح لرئاسيات فرنسا، عند إعلان النتائج وفوزه من مطار أورلي إلى قصر الإيليزي دون توقيف حركة المرور، ودون أن يشعر أحد، عكس ما يحدث عندنا بمرور أبسط مسؤول، ثمّ قلت: الأوضاع لدينا هشة، والنوايا غامضة.. لا أحد يثق في الآخر، لا السلطة تثق في الشعب، ولا النّاس يثقون في قادتهم، ولا الأفراد في بعضهم البعض، ولا حتّى الفرد في نفسه. الكلّ لا يؤمن بالاستقرار الذّي تحياه البلاد منذ بضعة سنين، وكأنّ الجميع يؤمن بأنّنا في حلم جميل لن يفتأ وينتهي وتعود المياه لمجاريها ”اللاطبيعية”.