عندما تسمع السلطة تتحدث بمعية الأحزاب الموالية لها، أنه سيتم تعزيز الحريات وحقوق الجزائريين في الدستور المقبل الجاري التشاور حوله، يخيل للسامع أن عهد التضييق والحصار والمنع قد طوي وعاد من الماضي. لكن عندما ترى أحزابا في المعارضة وأخرى غير معتمدة وصحفا وجمعيات “تشحت” للحصول على حقوق كرّسها الدستور منذ قديم الأزل، على غرار الحق في التجمع أو التظاهر السلمي أو في التعبير عن الرأي، بسبب إخضاع هذه الحقوق لمزاج المسؤول ولحكم الإدارة على حساب القانون، تبدو الصورة غنية عن التعليق بأن ما يقال عن الحريات والحقوق “المضمونة” للجزائريين، هي على الورق فقط، لكون السلطة في ممارستها للحكم، تفرغ الدستور والقوانين من كل محتوى، على غرار إفراغ الإصلاحات التي تولّدت عن أحداث الشارع في جانفي 2011. كشفت عنها ممارسات إدارية حق التجمع والتعبير والسفر كرّسه الدستور ومنعه “قانون مخفي” وضعت السلطة “توسيع هوامش الحريات” و”ضمان المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين”، ضمن مقترحات تعديل الدستور الجاري التشاور بشأنها منذ قرابة أسبوع. وهي مفاهيم ومصطلحات تزيّن الدستور الحالي، لكن في الممارسة تخرقها الرئاسة والوزارات وكل الأجهزة الإدارية والأمنية. إذا كان حق التظاهر وتنظيم المسيرات سلميا مكفولا دستوريا لكل الجزائريين ويصرّح به المسؤولون، فهو في حياتهم اليومية ممنوع بقرارات إدارية لا أثر لها في أي نص قانوني، وأحيانا وفق أهواء وهواجس ذاتية. ومن أشهر الأمثلة على خرق هذا الحق، هو القرار الذي صدر عن وزير الداخلية السابق، يزيد زرهوني، في حكومة علي بن فليس عام 2001. فبعد مسيرة العروش التي جرت في العاصمة، عطّلت السلطات العمومية حق تنظيم المظاهرات في العاصمة وجمّدت الحركية السياسية في الشارع لمدة تزيد عن 13 سنة، ولازال هذا المنع ساريا إلى اليوم. وقد سئل زرهوني ورؤساء الحكومات الذين اشتغل معهم، عدة مرات، عن سبب خرق الدستور بمنع التظاهرات في العاصمة، فكان ردّه دائما بأن الأوضاع الأمنية بالعاصمة لا تسمح، وبأن المظاهرات تمثّل خطرا على الأمن العام. واختبأ الوزير وهو يقدم هذه المبررات، وراء حالة الطوارئ. واستمر هضم هذا الحق حتى بعد رفع هذا الإجراء الأمني الاستثنائي الذي كبّل العاصمة منذ عام 1992، وفي ظله تعرّض الكثيرون لهراوات رجال الأمن، بمن فيهم “ممثلو الشعب”، لما خرجوا للتضامن مع العراق في الغزو الأمريكي عام 2003. ومنع الجزائريون، تحت المبرر نفسه، من التعبير عن تضامنهم مع غزة في الاعتداء الإسرائيلي عام 2009، بل اعتقل بعضهم ووضعوا تحت الرقابة القضائية، ومازالت مفروضة عليهم إلى اليوم وهم ينتظرون إما رفعها عنهم أو إحالتهم على المحاكمة. وأفظع ما يعانيه هؤلاء، أنهم لا يجدون جهة يشتكون إليها، حتى القضاء الذي عاقبهم بناء على أوامر جهة أمنية أو سياسية، أوصد الأبواب في وجوههم. وطال الدوس على الحريات ملاحقة الناشطين والمواطنين العاديين على شبكة الانترنت، فتم مداهمة بيوت بعضهم وأدخل بعضهم الآخر السجن، تحت طائلة تهمة تصلح لجميع الأفعال والمخالفات والحيثيات، تسمى “إهانة هيئة نظامية”. ومن أبرز هؤلاء، ياسين زايد والطاهر بلعباس ومحمد القاضي، والقائمة طويلة... واصطدم الكثير من الصحافيين والنقابيين والنشطاء، وهم يحاولون الخروج من البلاد، بوجود قرارات فوقية بمنعهم من السفر، ومن أهم الأمثلة حالة الصحافي أرزقي آيت العربي. وامتدت قائمة الضحايا إلى الحقوقيين والنقابيين، الذين حرمتهم الداخلية بواسطة عصا الشرطة من تنظيم الاجتماعات والندوات. وأشهر الأمثلة، غلق “دار النقابات” بالضاحية الجنوبية للعاصمة، بحجة أن تجمعات الحقوقيين التي تجري فيها غير مرخصة، وهددت الشرطة مالك البناية المؤجّرة بغلقها لو نظمت بها أنشطة سياسية ونقابية معارضة للسلطة. أما آخر الضحايا في القائمة، فهم سياسيون خرجوا عن أحزابهم وأسسوا أطرا أخرى للعمل، إذ حرمتهم السلطة من الحصول على وصولات اعتماد أحزاب جديدة بعد أن استوفوا جميع الشروط، ويفترض أنهم معتمدون بقوة القانون. ومن أهم الأمثلة على هؤلاء، كريم طابو المتحدث باسم الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي وقياديون سابقون من حمس أطلقوا حركة البناء الوطني. الجزائر: حميد يس
أثيرت في مسودة مقترحات السلطة حول التعديل الدستوري حريات على الورق وفي الواقع أمر آخر إذا نظرنا إلى مسودة المقترحات التي عرضتها السلطة حول الدستور التي انطلقت بشأنه المشاورات منذ أسبوع، نجدها قد اقترحت مواد عديدة جديدة تزيد مما تسميه “الحقوق المضمونة” للمواطن، وفي صيغة المطلق، غير أن مقارنتها مع ما يمارس من قبل السلطة وأجهزتها الإدارية والأمنية في الواقع، يجعل تلك الحقوق والحريات مجرد “حبر على ورق”. رفعت المسودة التي أرسلتها السلطة إلى الأحزاب والمنظمات والجمعيات بشأن المشاورات حول المراجعة الدستورية، من سقف الحريات والحقوق الممنوحة للمواطن في الدستور المقبل للبلاد، وهو أمر لا يمكن سوى تثمينه، غير أن صدقية ذلك لا يمكن الحكم عليها من خلال تدوينها كمواد جافة في الدستور، وإنما المحك الحقيقي يكمن في مدى ملامسة تلك الحريات والحقوق في الممارسة اليومية. لقد جاء في المسودة الجديدة نص المادة 36 “لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي”، وورد في المادة 41 “حريات التعبير، وإنشاء الجمعيات، والاجتماع، والتجمع والتظاهر سلميا مضمونة للمواطن”، وأضيفت إليها مادة جديدة 41 مكرر في مسودة الدستور بأن “حرية الصحافة مضمونة وغير مقيّدة بأي شكل من أشكال الرقابة الردعية المسبقة”. كما جاء في المادة 42 من المسودة نفسها، أن “حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون”، وتليها المادة 43 التي تكرّس حق إنشاء الجمعيات مضمون وأضيفت إليها مادة 45 مكرر “الحق في محاكمة منصفة مضمون”، وغيرها من المواد التي من المفروض أن المشرّع عندما وضعها في الدستور بغرض تنفيذها في الواقع، وليس مواد للزينة. وقعت أربع وقائع حدثت وتزامنت بمحض الصدفة، خلال الأسبوع الفارط، تكشف كلها أن بين الحقوق والحريات المكرسة في الدستور وبين الممارسة في الواقع، هناك هوة سحيقة، بحيث أوقفت مطبعة الوسط سحب جريدة “الفجر”، وهو الحل السهل في سياق عدم البحث عن الحلول الأخرى، وتماطلت الإدارة في منح رخصة عقد ندوة لأحزاب معارضة تحوز على اعتماد رسمي، ومنها من شارك في الحكومة سابقا، مثلما قال مسؤولو تنسيقية الانتقال الديمقراطي، وأعلن سلال عن وقف منع السفر عن بعض الأشخاص للخارج بدون قرار قضائي، واشتكى كريم طابو من عدم ترخيص الإدارة لعقد المؤتمر التأسيسي لحزبه الجديد، الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي، الذي كان مبرمجا يوم 30 ماي الفارط. هذه الوقائع حدثت في أسبوع واحد، رغم اختلاف مواضيعها، لكنها تلتقي كلها في جانب حقيقة الحريات والحقوق التي تدّعي السلطة أن ممارستها “مضمونة”، وهي حقا مدوّنة كذلك في مواد الدستور، غير أنها ممنوعة أحيانا ويمارس عليها التضييق في كثير من الأوقات، وتخضع للمزاج أحيانا أخرى، من خلال ما كان يسميه المرحوم عبد الحميد مهري “قانون غير مكتوب”، كان وراء منع اعتماد الأحزاب طيلة عشر سنوات دون أن تتحمّل أي جهة في الحكم ذلك. ولذلك بعد مرور الأسبوع الأول من المشاورات حول التعديل الدستوري، لم نسمع أي جهة أو حزبا أو شخصية من المدعوين، لامست هذه الحقيقة أو اقترحت ضرورة تصدر أول مادة في الدستور تنصص بأن كل قرار أو إجراء وراءه مسؤول ولا منع للحريات والحقوق بدون قانون مكتوب ومرئي ومكشوف. وما دون ذلك، فإن المشاورات حول الدستور، مثلما توقّعها المرحوم مهري، ليست سوى محاولة من النظام لتصليح نفسه بنفسه خارج التطور الاجتماعي وخارج الاستماع لغير المنتسبين إليه. الجزائر: ح.سليمان
الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، بوجمعة غشير ل “الخبر” “السلطة حليف وفيّ لمن يساندها وخصم شرس لمن يعارضها” تسوق السلطة خطابا يقضي باحترام وإقرار الحقوق والحريات، وهو ما ورد في مسودة التعديل الدستوري، لكن في الميدان شيء آخر؟ دساتير الجزائر كلها تتحدث عن الحريات والحقوق، ومسودة التعديل المطروحة للمشاورات تتحدث كذلك عن هذا الموضوع. لكن ما يغيب عن الكثيرين، أن النظام السياسي في الجزائر لا يحتكم للقانون، وإنما له منطق خاص الذي يتعامل به تجاه كل قضايا المجتمع. ومحتوى الدساتير مجرد واجهة تقدم للمجتمع الدولي، بهدف الظهور بمظهر التحضّر والديمقراطية. ولماذا تلجأ السلطة إلى رفض منح رخص التجمع بالنسبة لأحزاب، وكذلك تلجأ إلى رفض منح تصاريح إصدار صحف، ولماذا تمنع أشخاصا من السفر بدون قرار قضائي، هذه الأمور حدثت مؤخرا؟ النظام السياسي في الجزائر يعيش تحت هاجس الخوف من المجتمع، نتيجة الهوة التي تفصله عنه، وبالتالي يريد أن يسيطر على كل حركية المجتمع. وكل من يشم فيه رائحة الخروج من دائرته، يضع أمامه متاريس ويناصبه العداء، لذلك يرفض الاجتماعات والتجمعات التي لا تصب في مجراه، كما يرفض تأسيس مجتمع مدني قوي مستقل عن إدارته، ويستعمل الإشهار العمومي والمطابع كوسيلة من وسائل الضغط على الصحافة، لأن النظام السياسي في بلادنا يعلم جيدا أن الإعلام أثبت أن له دورا في صناعة التغيير وبناء الديمقراطية، وإماطة اللثام عن الكثير من الوجوه البشعة فيه. أما قضية المنع من السفر، وحتى لما يلجأ المواطن للعدالة للمطالبة بحقه في جواز السفر أو في السفر، رغم حيازته للجواز، لا ينصف نظرا لضعف العدالة أمام أجهزة الأمن. هل هذه السلوكيات تؤشر على المرحلة المقبلة بعد انتخاب الرئيس لعهدة رابعة؟ العهدة الرابعة هي استمرار للنظام السياسي في الجزائر بما يحمله من ثقافة الرأي الأوحد، والتعامل مع الأفراد والهيئات والمؤسسات، وحتى الصحافة، بمنطق الولاء، وبالتالي فإن قواعد اللعبة لن تتغير. كما أن السلطة السياسية سوف تكون الحليف الوفيّ لكل من يواليها، والخصم الشرس لكل من خرج من دائرتها أو حاول ذلك. وما مدى تأثير هذه القرارات على النظام دوليا؟ بكل أسف، سمعة الجزائر في المحافل الدولية ليست في مستوى طموحات الشعب الجزائري وتضحياته، وهذا سواء على المستويات الرسمية أو المنظمات غير الحكومية، وقيمة الجزائر في الظرف الراهن مرتبطة بقضيتين، الأولى تتعلق بالأموال التي تتوفر عليها، وبالتالي يمكنها فك الخناق عن بعض الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا. أما القضية الثانية، فهي مرتبطة بمحاربة الإرهاب. وكما يعمل الجميع، فإن قضية محاربة الإرهاب هي الهاجس الأول للولايات المتحدة، لذلك فإن قيمة الجزائر في الظرف الراهن مرتبطة بمدى ما تحققه في هاتين القضيتين. الجزائر: حاوره محمد شراق
أستاذ علم الاجتماع، ناصر جابي ل “الخبر” “النظام يشعر بأنه فاقد الشرعية لذلك يضيّق على الحريات” هناك أحزاب لا تمنح لها رخصة التجمع وصحف تمنع من السحب، كما أن هناك أشخاصا يمنعون من السفر دون قرار قضائي، بينما القانون يقر الحقوق والحريات في هذا الشأن؟ ❊ أظن أن هذه الممارسات تدخل ضمن سياق طويل المدى، والنظام ليست غريبة عليه هذه الممارسات، فهو كان ولا يزال يفعل هذه الأمور، لكن جدير بالذكر أن المعارضة لم يكن يعترف بها أصلا في السابق، فقد كان المعارضون ينفون إلى الخارج أو يقتل رموزها، نحن في سياق شبيه، كذلك الأمر بالنسبة للتعامل مع النص الدستوري، فالدستور يوضع في الجزائر كي لا يحترم، فهو ينصص على الكثير من الحقوق، لكن الكثير منها أيضا لا يحترم ولا يطبق في الميدان. لكن هناك الجديد في هذه الفترة بالذات، بخصوص منع التجمع ومنع سحب الجرائد؟ ❊ الآن، الجديد في هذه الفترة، يبدو لي أن جماعة الرئاسة يعتقدون أنهم حصلوا على نصر جديد بإعادة انتخاب بوتفليقة. نعم، شكليا انتصروا، لكن في الواقع هم يحسون أن انتصارهم كان هشا، فالانتخابات الرئاسية لم تأت بأي جديد والنظام مازال معزولا، كما أن الأشخاص الذين يستشيرهم النظام اتضح أنهم لا يقدمون شيئا له، بدليل المشاورات الجارية حول التعديل الدستوري، فالنظام صار يتحاور مع ناس لا وزن لهم. النظام يعرف جيدا أنه أصبح معزولا ولا يملك الشرعية، كما أن انتصاره الهش يجعله حذرا وفي حالة دفاعية، لذلك يفعل الأشياء التي تحدثت عنها. هل تعتقد أن مسألة الموانع السياسية التي تقرها السلطة، من قبيل ما ذكر، ستنجم عنها عواقب معينة؟ ❊ هناك نقطة مهمة، كثيرا ما أغفلت، فالنظام السياسي الجزائري حاليا محل ابتزاز من قبل قوى أجنبية، ودلائل ذلك واضحة، فهناك حديث عن مساعي أو تواجد قوى خاصة جزائرية بليبيا، بالإضافة إلى قرار الجزائر باستغلال الغاز الصخري الذي منع في فرنسا مثلا. فأظن أن النظام وزيادة على ما يشعر به محليا كون أن شرعيته منقوصة، يعيش حالة ابتزاز خارجي، ضمن محيط إقليمي. وبرأيك، هذه الأمور تزيد من الضغط على النظام بشكل يدفعه إلى التضييق على الجبهة الداخلية؟ ❊ أعود إلى مشاورات الدستور، فهي تنبئ بأن النظام فقد شرعيته في عيون الجزائريين، فهناك أوزان ثقيلة لا تلتحق بمشاورات أويحيى وتعلن التحاقها بندوة تنسيقية الانتقال الديمقراطي. فالنظام ينتهج أسلوب القباحة، وقد بدأ يفعل ذلك وسيبقى على هذه الحال، وهذا المجال الوحيد الذي بقي لديه، فهو يتخذ مواقف من الإعلام الذي اتخذ موقفا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بخصوص الوقوف ضد العهدة الرابعة لبوتفليقة، وحتى المعارضة السياسية يمكن أن يزيد من تطرفه تجاهها، فتنسيقية الانتقال الديمقراطي قد لا تتحصل على الترخيص من أجل عقد ندوتها الوطنية وقد يجبر هؤلاء على عقدها في مقر أحد الأحزاب حتى يكون عدد المشاركين ضئيلا جدا. الجزائر: حاوره محمد شراق