تناولت السلطات الولائية بالطارف مؤخرا، وفي دورة ساخنة للمجلس الشعبي الولائي، صمت الجميع، بمختلف اختصاصاتهم، إزاء المجازر البيئية المتمثلة في تعرية الغطاء النباتي لشريط الكثبان الرملية ونهب الرمال من الشواطئ الغابية، وفشل ما اتخذ سابقا من إجراءات ردعية ميّعها التواطؤ المفضوح. أقرّت جميع الجهات المعنية، بمن فيهم الوالي، الكوارث الإيكولوجية التي سبّبها، على مدار أكثر من 5 سنوات، مسلسل تعرية الغطاء الغابي لشريط الكثبان الرملية لغرض زراعة غلة الدلاع، توازيها عمليات مماثلة في المنطقة نفسها ذات الخصائص البيئية والشواطئ الغابية عمليات أخرى لنهب وسرقة الرمال. وأثار منتخبو المجلس الشعبي الولائي، في الدورة الأخيرة، فشل وعجز كافة السلطات، كل وصلاحيتها، في مواجهة هذه الظاهرة الإجرامية التي تجري في وضح النهار وعلى مرأى الجميع، وجزموا بأنها تحظى بالتواطؤ واقتسام غنائمها المالية التي تقدّر بالملايير. وحسب حصيلة تقديرية محل إجماع المنتخبين والجهات الرسمية المعنية، فإن تعرية الغطاء النباتي لشريط الكثبان الرملية، من بلدية الشط بأقصى غرب إقليم الولاية إلى بلدية العيون الحدودية مرورا ببلديات بن مهيدي وبريحان والقالة والسوارخ، قد توسعت لتستهدف عمليات التعرية مساحة تجاوزت 20 ألف هكتار، بما فيها 380 هكتار المشجرة خلال الثلاث سنوات الأخيرة من قِبل الجيش ومصالح الأمن. وقد رافعت مصالح محافظة الغابات مبعدة تهمة تواطئها وتورطها في تعرية غابات الكثبان الرملية ونهبها وسرقتها وتحويل الرمال للمقاولات، وكشفت المصالح ذاتها أنها تواجه لوحدها هذه العمليات الإجرامية دون تدخل بقية الجهات المعنية، ومنها مصالح مديريات البيئة والري وأملاك الدولة وبلديات المنطقة وشركة “سياتا” للتطهير وتوزيع المياه، مع تراخٍ لدى فرق النقاط الأمنية المرورية وضعف المعالجة القضائية لعشرات القضايا المحوّلة للعدالة. ومن جهتها، فإن شكاوى سكان المنطقة وجمعيات القرى الريفية في الوسط البيئي وجمعيات حماية البيئة والمحيط وجهت، على مدار السنتين الأخيرتين، لجميع السلطات المحلية والمصالح الأمنية، مع عشرات العرائض والاحتجاجات مدعمة بهوية الفاعلين والصور وأشرطة الفيديو، وكلها وجدت آذانا صمّاء وعيونا مغلقة لجميع السلطات على اختلاف اختصاصاتها. ولم يستثن هذا الإجرام قطع الأشجار، وبمختلف أنواعها، والرياحين والنبات الغابية النادرة. وحسب المتابعة الدورية لأعوان مصالح محافظة الغابات ومكافحتها لهذه الظاهرة التي قضت على 7876 شجرة، فإن بعض سكان المنطقة يقومون بتعرية المساحات للغطاء النباتي الرملي وحيازته، وكرائها لمزارعين من بلدية برحال بعنابة وبن عزوز بسكيكدة ويستعملون البحيرات الصغيرة بالمنطقة لري مزروعاتهم. ويستعملون محركات ضخ المياه وحجبها عن الأنظار بأغصان الغابات وربطها بشبكة من القنوات المعدنية والبلاستيكية، بما فيها العابرة لشبكة الطرقات، فيما يتولى أعوان شركة “سياتا” للتطهير وتوزيع المياه ربط شبكات أخرى للري بشبكة قنوات نقل وجرّ مياه الشرب. وفي حصيلة مصالح الغابات، فإن الكثير من سكان المنطقة كرروا عملياتهم أكثر من 15 مرة خلال ال5 سنوات الأخيرة، وفي كل مرة يتم تحويلهم للعدالة يغرّمون ب5 آلاف دينار على أكثر تقدير ويعودون للعمليات نفسها، وبعضهم وصلت غراماتهم الجماعية لأكثر من مليار سنتيم دون أن تحرّك أملاك الدولة ضدهم تنفيذ القرارات القضائية، في حين التزمت مصالح مديريتي البيئة والري والمصالح الأمنية المرورية الصمت تجاه هذه العمليات. تعرية الغابات توازيها عمليات أخرى بالمناطق نفسها، ويتعلق الأمر بنهب رمال الشواطئ وشريط الكثبان الرملية، خلال الفترة نفسها، قدّرها العارفون بخباياها بأكثر من 100 طن تشحن يوميا بالجرارات والشاحنات، وتوجه إلى ورشات الإنجاز وتكدّس بمواقع بيع مواد البناء على شبكة الطرقات. ولهذه العمليات علاقات بجهات رسمية تتولى الدور اللوجستيكي عند غياب المراقبة الأمنية عبر شبكة الطرقات والوسط الحضري لفترات مضمونة العبور. ورغم هول الكارثة الإيكولوجية على شريط الكثبان الرملية والشواطئ والبحيرات، فإن وعود السلطات المحلية كل سنة بمحاربة الظاهرة آلت إلى الفشل وتنصّلت كل جهة من مسؤولياتها، رغم مخاطر استعمال نوعية هذه الرمال الممزوجة بالرطوبة في عمليات البناء والأشغال العمومية. وقد أكدت الخبرات التقنية عيوب عشرات الإنجازات من وراء استعمال هذه النوعية من الرمال ذات الملوحة والرطوبة العالية. ومن جهتها، فإن المصالح الأمنية، وعلى لسان ضباطها المكلفين بالسرايا والنقاط المرورية، يتهمون المديريات الولائية المعنية والبلديات بغيابهم الكلي عن الميدان وتهرّبهم من مسؤولياتهم تجاه حماية البيئة والمحيط وصمتهم عن ارتكاب هذه الجرائم ضد البيئة. ويؤكد ضباط الأمن في الدرك والشرطة عدم تلقيهم شكاوى من هذه الجهات أو طلب بتسخير القوة العمومية لردع الفاعلين الذين هم من سكان المنطقة. فلا منتخبو البلديات ولا مصالح المديريات المعنية لهم الشجاعة في كشف هوية هذه العصابات، لأن أغلبية أفرادها من المحيط العائلي والقرابة الاجتماعية للمنتخبين والأعوان الإداريين لمختلف مصالح مديريات البيئة وأملاك الدولة والموارد المائية والغابات وحظيرة القالة وحراس شركة “سياتا” لتوزيع المياه، والكل يعتمدون على ترك المسؤولية للمصالح الأمنية. وبحسب خبراء الزراعة، فإن شراهة توسّع تعرية الغطاء الغابي لشريط الكثبان الرملية مردّه الحاجة إلى مساحات جديدة قابلة لزراعة غلة الدلاع، لأن المساحات المستغلة في السنوات الماضية غير قابلة لتجديد استغلالها لأي نوع زراعي، بحكم أن الدلاع يجهد التربة ويقضي على خصوبتها لمدة تصل إلى 5 سنوات. ومن هذه القاعدة الطبيعية، فإن عمليات التعرية تزداد توسعا وتهدّد بتصحير الغطاء النباتي والغابي لشريط الكثبان الرملية، الذي يأوي خصائص ونظم بيئية هشّة، وفي حالة إيذائها لن تعود إلى طابعها البيئي إلا بعد أكثر من 100 سنة، حسب خبراء البيئة. للإشارة، فإن ثلاثة ولاة متعاقبين كانوا قد اتخذوا سلسلة من الإجراءات الردعية لمحاربة الظاهرة، غير أنها ميّعت وأجهضت حتى استفحلت الظاهرة عن حجم سنواتها الأولى. وأرجعت السلطات ذلك إلى ضعف العقوبات الردعية القضائية وعدم تحريك تنفيذ أحكامها، بما شجّع سكان المنطقة على فرض منطق القوة في حيازة الأراضي محل التعرية والتوسع في مساحات غابية مجاورة، بحكم أرباح كرائها لفائدة المزارعين المختصين في زراعة الدلاع من ولايتي عنابةوسكيكدة. وشهدت السنة الماضية أكبر عملية ردعية تمثلت في حجز 14 محرك ضخّ للمياه وتجهيزات كانت مثبتة بالبحيرات الصغرى، إثر مقال نشرتة “الخبر” بالصورة عن هذه العمليات الإجرامية، وبعد أسبوع “عادت حليمة إلى عادتها القديمة”. وأفادت مصلحة المنازعات لمحافظة الغابات بأن نظيرتها بأملاك الدولة، التي تستقبل الإتاوات المالية لاستغلال الثروات الغابية، ترفض تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالتعويض المالي لخسائر التعرية الغابية ونهب الرمال. وسجلت المصلحة ذاتها، في الفترة الممتدة بين 2011 و2014، 170 محضر، من بينها 135 مفصول فيها قضائيا، لتعويض إجمالي تجاوز 15 مليون سنتيم ضد المتورطين في هذه الجرائم، وحسبها، فقد رفضت مصالح أملاك الدولة تنفيذ هذه الأحكام القضائية النافذة لتحصيل الغرامات المالية، بمبرر أنها ليست طرفا في النزاع القضائي، وهذا عكس قبولها تحصيل أتاوي استغلال الثروة الغابية التي تشرف عليها محافظة الغابات.
الدلاع بديل اندثار زراعة “الكاوكاو” مع رحيل وعجز قدامى الفلاحين في زراعة الفول السوداني بالمساحات الفلاحية الرملية لشريط الكثبان، خاصة بلديات بريحان والقالة وعين العسل، تخلّى الجيل الجديد من سكان هذه المناطق عن هذه الزراعة واستبدلوها بالنشاط الفلاحي للربح السريع، من خلال كراء أراضيهم لمزارعين مختصين في غلة البطيخ بنوعيه من بلديتي برحال بعنابة وبن عزوز في سكيكدة، وأمام المداخيل الموسمية من وراء ذلك، وجشع أبناء المنطقة، توسعت التعرية إلى القضاء على الغطاء النباتي للكثبان الرملية، والتابعة ملكيتها لأملاك الدولة. وكانت زراعة “الكاوكاو” مزدهرة النشاط وذات نوعية مطلوبة بالسوق الوطنية، على مساحة 1500 هكتار، تراجعت، حسب التقارير الإنتاجية للمصالح الفلاحية، لأقل من 80 هكتارا. من جهتهم، فإن مربي الماشية بهذه المناطق يشتكون من عمليات التعرية، التي قضت على المراعي الخصبة ذات التنوع في الحشائش والكلأ والرياحين التي تعتمد عليها تغذية الأنعام.
جماعة مسلّحة بالسيوف والهراوات تهدّد كل من يمنع سرقة الرمال في تصريح تحصلت عليه “الخبر”، كشف رئيسا بلدية ودائرة الطارف بأنهما تدخلا، رفقة المصالح الأمنية، في “عين خيار” لغلق المرامل غير الشرعية محل النهب والسرقات وسدّ منافذها بالحواجز الترابية، ليتفاجأوا يوم الجمعة أثناء أداء الصلاة بقيام جماعة مكونة من 70 شخصا مدججا بالسيوف والهراوات الخشبية والقضبان الحديدية باقتحام المرامل المغلقة وأعادوا فتحها بالقوة، مهددين- حسب تصريح المسؤولين- كل من يعترض سبيلهم في استغلالهم للمرامل وتعرية الغطاء الكثباني بالتصفية الجسدية.