كان الشيخ عبد الرّحمن الجيلالي وأقرانه من المشايخ الجزائريين لهم تأثيرهم الشّعبي عبر المذياع “السّمع”، قبل أن تُشارك الحوّاس الأخرى في التّعامل مع الوسائط المعرفية التكنولوجية الجديدة لتصل إلى مداها اليوم عبر الأنترنت الّتي تُشرك المتلقّي معها بحواسه جميعًا، غير أنّ سُلطة المرسِل في قضايا الفتوى الدينية والدرس الدعوي هي المسيْطرة، رغم ما تُوفّره وسائل الاتصال من اندماج بين المرسِل والمتلقّي في القرية الكونية الّتي تهيمن عليها القوّة الليّنة أو النّاعمة. لقد كانت “الكاسيت” الّتي لعب فيها الصوت تأثيرًا متميّزًا منافسًا للمشايخ التقليديين الّذين اعتمدوا موجات الراديو والتلفزيون قبل الفضائيات والأنترنت، وممّا ساهم في هذه الهوّة بقاء الفضاء الإعلامي في الجزائر ضيّقًا وفقدان الثقة تدريجيًا في الهيئات الدينية الرسمية، والتأخّر إلى اليوم في تأسيس هيئة عليا متخصّصة في الفتوى وتأهيل علماء ومفتين، كما أنّ “العقدة المشرقية” مستحْكِمة في وعي الشباب ف«عازف الحي لا يطرب” فكلّ ما هو منّا نزهد فيه. ولا شكّ أنّ الاختلاف الجغرافي والاجتماعي والثقافي والعرفي واضح بين المغرب والمشرق، وهو ما يؤثّر حتمًا على طبيعة الفتوى، فقد استغرب مفتي على فضائية مصرية من سؤال وُجِّه إليه عبر الهاتف من الجزائر عن “الصّلاة في الحمّام”؟ وقال هل ضاقت الأرض بالجزائريين حتى يصلّوا في الحمّام؟ ومعنى “الحمّام” عند المفتي والمشارقة غير المعنى عندنا، وقِس على ذلك قضايا أخرى يكون فيه التّواصل اللّغوي والثقافي غير المكتمل عائقًا أمام الوصول إلى فتوى تتكيَّف مع بيئة السّائل الاجتماعية والعرفية والثقافية، من هنا يطرح بعض المتتبعين قضايا “فوضى الفتاوى” و«قوانين الفتوى” و«ترسيم هيئات للفتوى”. مع ازدياد عدد المفتين الفضائيين والإلكترونيين سعَت وزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية إلى إصدار قانون جديد يحصُر الفتوى على المتخصّصين والهيئات الدينية الرسمية، وبمصر تمّ اقتراح تأسيس جهاز رقابي على القنوات الفضائية يتولّى مراجعة الفتاوى الّتي تُذاع على النّاس، كما ينصّ القانون على عقوبة ثلاث سنوات سجنًا لمَن يفتي دون ترخيص.