لا يختلف اثنان أنّ أسوأ ما يمكن أن يحدث للإنسان هو الضّلال عن طريق الحقّ وطريق الخير وطريق الرّشد، وأنّ أشدّ ما يؤلم الإنسان هو اكتشافه بعد أمة أنّه كان ساربًا في مسالك الضّلالة حاسبًا نفسه من المهتدين، ومن هنا تظهر أهمية هذه القاعدة الإيمانية: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} آل عمران:101، ومعنى الآية: {ومَن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم} أي مَن يتمسّك بالدّين فلا يخشى عليه الضّلال، فالاعتصام هنا استعارة للتمسّك. وفي هذا إشارة إلى التمسّك بكتاب الله ودينه لسائر المسلمين الّذين لم يشهدوا حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إنّ الاعتصام بالله هو أن نتّبِع ما تُلِيَ علينا من الآيات، وما سَنّه لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إذن فباب الاعتصام هو كتاب الله وسنّة رسوله، فالإيمان بالله، هو المعتصم، ولا معتصم غيره، إذا استمسك به الإنسان فقد ضمن النّجاة والفلاح.. {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. قال ابن كثير: [فالاعتصام بالله والتوكّل عليه هو العمدة في الهداية، والعدّة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرّشاد، وطريق السّداد وحصول المراد]. ويقول الأستاذ عبد الكريم الخطيب: [في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} توجيه إلى الطّريق الّذي ينبغي أن يستقيم عليه العاقل، ويلتزمه، وهو الإيمان بالله، والاعتصام به من وسوسة الضّالين، وكيد المبطلين، فذلك هو الّذي يعصم المؤمن من الزّلَل، ويحميه من الضّلال، وفي هذا نجاته وسلامته]. إنّ كثيرًا من النّاس يهرولون في سبل الضّلال ويجرون في طرق الغواية متّخذين صراط الله المستقيم ظِهريًّا، ويحسبون أنّهم على شيء. والحقّ أنّ هؤلاء إن وجدوا راحة فهي راحة غرور وغفلة، وإن وجدوا اطمئنانًا فهو اطمئنان غرور وغفلة، إذ لا راحة بحقّ ولا اطمئنان بحقّ ولا هداية بحقّ إلاّ في دين الله وصراطه المستقيم. يقول الله عزّ وجلّ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}.