يعود تاريخ هذه المأساة ليوم 19 جانفي 2008، الكل اعتقد أن الطفل جنحي ياسر علاء الدين قد تاه عن الطريق، وسيعود إلى البيت بعد مدة قصيرة، لكنهم لم يتوقعوا أن يعثروا عليه جثة هامدة وسيوارى الثرى في اليوم الموالي. ياسر تعرض لنزيف شديد كان ياسر مراقبا من قبل أحد المتعطشين لشهوته الحيوانية الذي خطط لخطفه، وهو جاره البالغ من العمر 27 سنة، يسكن بنفس العمارة التي يقطن بها جداه لأبيه بالمدينة الجديدة ماسينيسا في الخروببقسنطينة. مرتكب هذا الفعل الإجرامي، المدعو “علي”، كان في شرفة شقة عائلته المتواجدة بالطابق الأرضي في حدود الساعة الخامسة مساء من يوم الجمعة، حيث رأى ياسر يدخل للمرة الأولى مع جده، حاملا بيده قفة بعد أن رافقه إلى السوق، حينها التف جميع أفراد العائلة حول مائدة الإفطار ليوم عاشوراء، في انتظار أذان المغرب. أما الجاني، فواصل ترصده لياسر، وبعد أن شاهده يدخل مرة ثانية إلى العمارة بمفرده، قاصدا شقة جده الذي كان معه أمام سيارته، اغتنم الفرصة لاختطافه، وقبل أن يطرق ياسر الباب، فتح المجرم باب الشقة وقام باستدراجه بعد أن أغراه بحبات من الحلوى وعلبة ياغورت، ودخل الطفل الشقة دون أي مقاومة، وانزوى به في إحدى غرف شقته. ظل الجاني يتلذذ بتعذيب ياسر، حيث اعتدى عليه جنسيا عدة مرات، ليصاب بنزيف دموي، ومن شدة الألم بدأ بالصراخ، ومحاولة لإسكاته وضع الجاني يديه على فمه ونقله مباشرة صوب الحمام ليغسل الدم، لكنه انزلق منه وارتطم رأسه بالأرض ما أدى إلى إغمائه. وهنا تبادرت إلى المجرم فكرة قتل ياسر ذبحا بواسطة سكين المطبخ، وسكب دمائه بالمرحاض، ثم قام بغسل جسده والمكان مستعملا الماء الساخن، وبعد تفطن الجاني بأنه لم يتخلص من قطع قماش استعملت في مسح آثار الدماء، وضعها داخل كيس بلاستيكي ورماها بأقرب قمامة عمومية، ثم أخفى السكين في المطبخ. رحلة بحث وسط حيرة وألم كل شيء بدأ بعد الساعة الخامسة والنصف من ذات اليوم، عندما شنت عائلة جنحي حملة بحث عن ابنها في جميع أنحاء المدينة الجديدة ماسينيسا، 5 كلم شمال الخروب وبالمدخل 1 عمارة “و”، بالقرب من منزلها والمحلات المجاورة. وحوالي الساعة الرابعة قبل صلاة الفجر، قام المتهم بإلباس الضحية ثيابه وغطى عنقه بوشاح، وظل يترقب الباحثين عنه والجيران من باب الشقة وسط الظلام لكي لا يشك أحد بوجوده. وفي لحظة غفلة أخرج جثة ياسر، ووضعها برواق العمارة في وضعية توحي بأنه نائم، لتجده جدته لأبيه عقيلة، في حدود الساعة الخامسة صباحا بالقرب من السلالم، فأسندته إلى الحائط في وضعية جلوس، ظنا منها أنه نائم من فرط التعب. كان سرواله مبللا في الأسفل، وجواربه منزوعة وبقي ينتعل حذاءه، وقبعة وضعت على رأسه، حيث أمسكت به جدته من رجله ولمست ثيابه المبللة وبقيت تجس نبضه فأدركت أن شحوب لون وجهه يشير إلى أنه ميت، وهنا بدأت بالصراخ والعويل، وعندما تأكدت أنه ميت نزعت الشال الذي كان يرتديه لتجده مذبوحا. أما أمه نوال البالغة من العمر 27 سنة، فأغمي عليها مباشرة وهي التي شاهدته آخر مرة يوم الخميس عندما قضت السهرة عند أسرة زوجها وتركته ليقضي الليلة عند جديه. الجاني اغتصب طفلة قبل ياسر انطلق تحقيق عناصر الشرطة بالتنقل إلى مكان العثور على الضحية الذي لم يكن جسمه مبللا رغم أن ليلة اختفائه كانت ماطرة، ما يعني أن الفاعل من داخل العمارة، وهي الفرضية التي تأكدت بعد الاستعانة بالكلاب المدربة التي ظلت تبحث عنه في المنزل. وحامت الشكوك حول الجاني الذي استجوب رفقة مجموعة من الشباب، وبعد تفتيش شقته، وتشريح جثة الضحية، تبين أن اللون الوردي لعصارته المعدية مطابق للون حبات الحلوى التي عثر عليها بمنزل الجاني بعد الاستعانة بالمخبر الجهوي للشرطة العلمية في قسنطينة، الذي أظهر أيضا عدم احتواء دم المتهم على أي مادة مهلوسة. كما أظهر تشريح الجثة من طرف الطبيب الشرعي، وجود آثار الفعل المخل بالحياء على المنطقة الشرجية وبعض الرضوض على جسمه، وآثار الذبح والخنق، وهي السبب المباشر في وفاة ياسر. أما الخبرة العقلية للمجرم، فكشفت أنه بكامل قواه العقلية ومؤهل للمساءلة الجزائية وتحمل العقوبة، فيما بين البحث الاجتماعي الخاص به شذوذه الجنسي ونبذه اجتماعيا من قبل المحيطين به، كما أنه مسبوق قضائيا في قضية مماثلة واغتصابه طفلة لم تتجاوز 7 سنوات. صرخة الوالدة .. تذكروا ياسر ولا تنسوه أبكت والدة ياسر الجميع عندما حملت صورة كبيرة لطفلها المفقود والمغدور به ببهو مجلس قضاء قسنطينة وهي تردد عبارة “تذكروه لا تنسوه، لقد تركني وحيدة، لا أملك غيره، ربي يساعدني على مصابي”. اعترافات القاتل غصت محكمة جنايات قسنطينة بالحضور وسط تشديدات أمنية، يتقدمهم والدا الطفل ياسر، وكذا شهود القضية وهما جده وجدته. ولدى طرح القاضي الأسئلة على الجاني حول التهمة المتابع فيها، أجاب بكل برودة أعصاب أنه متورط في قضية ارتكاب جناية الاختطاف، وكذا جناية الفعل المخل بالحياء وارتكاب جناية القتل العمدي مع سبق الإصرار التي راح ضحيتها الطفل جنحي ياسر علاء الدين. وروى المتهم أدق تفاصيل هذه الجريمة قائلا: “عندما وجدت ياسر داخلا من باب العمارة بمفرده، ناديته لأعطيه قليلا من الحلوى، وعندما اقترب مني أخذته إلى غرفتي ومارسته عليه الفعل المخل بالحياء، حينها بدأ في الصراخ، ولما بدأ ينزف أغمي عليه، أخذته إلى الحمام لغسل الدم، إلا أنه انزلق من يدي وسقط أرضا ليرتطم رأسه بالأرض، وبعد ذلك راودتني فكرة التخلص منه، فذبحته عند حوالي الساعة التاسعة ليلا، لكن لم أكن في وعيي، بسبب تأثير الأقراص المهلوسة”. ولم يخجل الفاعل عندما سأله القاضي: هل أنت متعود على ممارسة الجنس على الأطفال، فرد ب: نعم. وقبل النطق بالحكم، طالب والدا ياسر، خلال الجلسة، بمعاقبة الجاني بإعدامه، وهو الحكم الذي نطقت به هيئة المحكمة. أما دفاع الضحية، فأعاد سرد الوقائع بالتفصيل، ما جعل من حضروا الجلسة يذرفون دموع الألم على الضحية، مؤكدا أن الجريمة ثابتة في حق المتهم، فيما تحدثت النيابة العامة عن بشاعة الجرم المرتكب من قبل متهم ثبتت إدانته في قضايا مماثلة على طفلة لم تتعد 7 سنوات. من جهته، رافع دفاع المتهم الذي تم تعيينه في إطار المساعدة القضائية، على أساس أن المتهم يعاني الجنون، ولا يمكن لأي شخص ارتكاب مثل هذا الفعل، مطالبا بمراعاة ظروفه النفسية والمرضية. الجريمة تحت المجهر الأستاذ والأخصائي النفساني لوصيف رابح احتمال تعرض الجاني للاغتصاب في طفولته قال الأستاذ والأخصائي النفساني، رابح لوصيف، إن الجاني له تجارب سابقة في اغتصاب الأطفال، لكنها لم ترتبط بالقتل أو الجرح والضرب، لأنه كان يسعى لإشباع نزواته الحيوانية. وذكر المختص في السياق، احتمال تعرض الفاعل لحادث اغتصاب خلال طفولته. وفي قضية الحال، كان تركيز المتهم على الطفل ياسر البالغ من العمر 3 سنوات، واختطافه لممارسة علاقة جنسية فقط، لكن حدوث النزيف ولّد مشكلا لم يكن ينتظره، تبادر إلى فكره في بادئ الأمر قضية غسله وإرجاعه إلى المنزل، كونه متعود على ذلك مع باقي الأطفال الذين سبق له أن اغتصبهم، لكنه ظل خائفا من العقاب خاصة بعد عملية البحث التي قامت بها العائلة، لأن الألم الذي كان يعاني منه الضحية بسبب النزيف سيدفعه للكشف عن الأمر لوالديه، وعن هوية مغتصبه، وهو ما جعل المجرم تتملكه حالة من الرعب، حيث كان في صراع داخلي لمدة ساعتين حول إخلاء سبيل ياسر أو التخلص منه خوفا من فضح أمره. ولأنه غير متعود على القتل، قام المتهم بذبح الضحية 3 مرات ليتأكد أنه فارق الحياة، وهو يحمل أحساس الغضب، وثائر على نفسه بسبب ارتكابه جريمة قتل. وأشار الأخصائي إلى أن اعتراف الجاني بجرمه دليل على انهياره ورغبته في التعبير عن غضبه وخوفه في نفس الوقت، ولا ينفي إحساسه بالندم في داخله، مشيرا إلى أن هذه حالة تحتاج إلى علاج وملف متابعة.