إنّ ما جاء به الإسلام من قواعد وأركان، وما حثّ عليه من فضائل وأعمال، هدفه إعداد مجتمع فاضل، يحيى بحسن الخلق والاحترام والتعايش. أو بمعنى آخر، فإنّ هذا الدّين جاء ليوجد المسلم الرساليّ الربّانيّ الّذي يعرف حدوده فيلزمها، ويعطي لكلّ ذي حقّ حقّه، ويسلم المسلمون من لسانه ويده. وبالفعل، فقد أحدث الإسلام في بدايته ثورة غيّرت النّفوس والعقول، فكان ذاك الجيل وبحقّ خير أمّة أخرجت للنّاس، فقد تربوا جميعًا بين يدي معلّم نعته أعداؤه قبل أصدقائه بالصّادق الأمين، عليه الصّلاة والسّلام، فهو الّذي لخّص غاية رسالته فقال: ‘'إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق''. والصّدق من المكارم والفضائل الّتي كانت تميّز المسلم عن غيره، فبصدق التاجر المسلم والحاكم المسلم والقائد المسلم، دخل النّاس في دين الله أفواجًا من مختلف المِلل والأعراق، وبترك الصّدق آل أمرنا إلى ما آل إليه وأيّامنا اليوم خير مخبر عنه وحالنا خير دليل عليه! إنّ الإسلام جاء ليعيد للإنسان كرامته وإنسانيته ويغرس فيه القيم الفاضلة والأخلاق الحسنة. يقول الله تعالى: {كتابٌ أنْزلناهُ إليْكَ لتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلمات إلى النُّور}. وهل هناك ظلمة أعظم من ظلمة الظّلم والاستبداد والجهل والفساد والرّذيلة. يقول المستشرق بولن ويلي به: [إنّ دين محمّد، صلّى الله عليه وسلّم، هو دين العقل، ولا يحتاج مثل هذا الدّين إلى القهر والجبر لنشر تعاليمه، ويكفي النّاس أن يفهموا أصوله حتّى يسارعوا إلى اعتناقه، لأنّ هذا الدّين منسجم مع العقل والفطرة البشرية. ولذلك، لم يمض نصف قرن على ظهوره حتّى ملك قلوب نصف سكان الكرة الأرضية].