تعتبر أسواق السيارات بالجزائر، فرصة حقيقية لمداخيل كبيرة للكثير من سماسرة بيع وشراء السيارات بأنواعها المستعملة منها و الجديدة، مما جعل ولوج هذا العالم أمرا ملحا من أجل كشف خبايا التلاعب بالزبون. يعد سوق السيارات بولاية سطيف، واحدا من أكبر الأسواق في الشرق الجزائري، حيث تقصده آلاف السيارات كل نهاية أسبوع، ورغم غياب إحصائيات دقيقة حول العدد الحقيقي للسيارات التي تدخل السوق بسبب تهرب المستأجر من المتابعات الضريبية وغيرها، إلا أن مصادر مؤكدة قدّرت العدد الإجمالي بأكثر من 30 ألف سيارة، في وقت وقبل الخوض في ظاهرة سماسرة السيارات، يجب تسليط الضوء على سوق المركبات الذي يهدد حياة الآلاف من السكان ومالكي السيارات بهذه الولاية، بحكم عدم وجود أبسط وسائل السلامة مع انتشار السرقات والعصابات المنظمة في ظل غياب وحدة للحماية البدنية، فلو تعرضت إحدى السيارات مثلا لأية شرارة كهربائية سوف يؤدي ذلك إلى كارثة حقيقية بحكم عدم وجود مساحات فارغة لمرور سيارة الإسعاف والحماية المدنية، لأن كل الأماكن يتم ركن السيارات بها حتى الطرقات، وذلك لضمان أكبر مدخول ممكن بمعدل 800 دينار للسيارة الواحدة و2000 دينار للشاحنة، دون حساب الزيادات العشوائية لأصحاب طاولات المأكولات وبيع الشواء وغيرها، في وقت فتحت فيه مصالح الأمن العديد من التحقيقات في كيفية منح صفقة الكراء التي شابتها العديد من التجاوزات. “الخبر” لبست ثوب الزبون ودخلت السوق بسيارة مستعملة من أجل محاولة بيعها، والغريب في الأمر أن السوق الأسبوعي المبرمج يوم الجمعة ينطلق في حقيقة الأمر من الأربعاء مساء، فيما تتم عمليات البيع والشراء بكثرة في اليوم الموالي، على أن تبقى القليل من الصفقات في يوم الجمعة، وبمجرد دخولك إلى السوق تبدأ معاينة سيارتك، خاصة إذا كانت نوعيتها جيدة ومحركها قوي أو “مشمع” كما يقال، إذ يتهاطل الزبائن من كل حدب وصوب، وما هم في الحقيقة سوى شبكة منظمة مهمتها تكمن في خلخلة الثقة عند صاحب السيارة، من خلال إظهار العيوب الموجودة في السيارة، مما يثير الشك في نفس الزبون الذي غالبا ما يستسلم لشروط بيعها بالطريقة التي يراها السماسرة مناسبة وبالسعر الذي يحددونه، خاصة إذا كان مضطرا لتحصيل النقود من أجل مرض أو سكن أو حتى سفر إلى الخارج فتبيع سيارة فارهة بأبخس الأثمان. الغريب في الأمر، أن جميع من في السوق يؤكدون بأن السماسرة هم من يحدد ما إذا كان السوق جيدا أو لا، فيبيعون ويشترون بكل حرية، بل قد يصل الأمر إلى أن ترى سيارتك التي بعتها بثمن قليل تباع أمام عينك وبثمن كبير دون أن تتجرأ على الحديث، ويقابلك المالك الجديد أو السمسار بقوله “رانا عوادة سوق ناكلو في الخبز برك”. ودون أن نفصح عن هويتنا، صاحبنا أحد السماسرة بعد أن أقنعناه بأن يدلنّا على السيارات التي يمكن أن نشتريها مقابل مبلغ 1500 دينار فقبل دون تردد، وراح يصول ويجول بنا في جنبات السوق يلوح بيده في كل الأرجاء، ويقول “واش كاش ما خردة “ في إشارة إلى سيارة بثمن زهيد، خلال حديثنا أكد أن السوق ينقسم إلى عدة أقسام، فهناك سماسرة السيارات الفارهة والتي تكون عادة مرتبطة بشبكات دولية لتهريب وتزوير السيارات خاصة منها الألمانية، بدليل تفكيك مصالح الأمن للكثير منها في السنوات الأخيرة، فيما تحتل شبكات بيع سيارات رخص المجاهدين وذوي الحقوق المرتبة الأولى، حيث يتم حجز مساحات كبيرة داخل السوق من أجل صف عشرات السيارات الجديدة، غير أن وثائقها الإدارية تبقى مرهونة بمدة التنازل عن البيع. أما وكلاء السيارات غير المعتمدين، فيعتبرون من أهم موردي السيارات الجديدة خاصة منها الفرنسية والآسيوية في السوق، حيث يستغل هؤلاء فرص نهاية السنة وتخفيضات الوكلاء الرسميين، فيضخون الملايير لشراء هذه السيارات وتخزينها، على أن يتم بيعها بعد انتهاء فترة التخفيضات مما يدرّ عليهم أموالا ضخمة. من جهة أخرى، لا يزال مصير هؤلاء السماسرة مربوطا بقرارات كثيرة تتخذها الحكومة، فأيام فرض الضريبة على السيارات الجديدة، طار هؤلاء السماسرة فرحا، وانتعشت تجارتهم بشكل كبير، خاصة وأن الضريبة لا تمس السيارات المستعملة، فيما يتخوفون من إطلاق القروض الاستهلاكية التي من الممكن أن تعصف بمداخيلهم الكثيرة ، حيث أكد الكثير من السماسرة أنهم يفضلون التجول عبر أسواق الوطن من أجل بيع وشراء السيارات على أي وظيفة أخرى.