أضحت ظاهرة بيع الشاي الصحراوي وسيلة استرزاق لشبان يقصدون العاصمة والمدن الشمالية هربا من أخطبوط البطالة وضنك المعيشة في مناطقهم. على الشطر الرابط بين مطار هواري بومدين وبن عكنون، يقف شاب أسمر، قادم من إحدى ولايات الجنوب، مرتديا مئزرا أبيض اللون وشاشا أزرق معقودا على رأسه على طريق الصحراويين، حاملا إبريق شاي نحاسي، وقفة من القش بها أكواب بلاستيكية وحزم النعناع الأخضر الفواح. عن السبب الذي جعله يغامر بحياته بهذا الشكل، يقول صاحبنا الذي استعار “احميدة” اسما له، إنه يعمل كباقي الناس، هو يتقن تحضير الشاي الصحراوي ويجد متعة في بيعه للسائقين الذين يفضل الكثير منهم شربه وهم على متن مركباتهم. في الواقع، كلام صاحبنا يدل على معاناة يومية للسائقين القادمين إلى العاصمة وحتى المستقرين فيها.. سواء في الليل أو في النهار، تشكل “الباراجات” المنصوبة على مداخلها الثلاثة: بابا علي والحراش وزرالدة مصدر صداع للزوار والمقيمين على حد السواء. جواب الجهات المعنية من درك وشرطة واحد وهو حماية الأشخاص والممتلكات من أي اعتداءات للإرهابيين الذين يصطادون مناطق التراخي ونقص اليقظة لتعكير صفو الأمن والأمان الذي تنعم به العاصمة وضواحيها. قبل سنوات، كان الإرهابيون لا يفوتون مناسبة أو فرصة لضرب الهدوء وزرع الموت بتفجيرات استعراضية أودت بحياة العشرات من الأبرياء.. وقد اضطرت السلطات الأمنية إثر ذلك تشديد التواجد الأمني على الطرق والمنافذ المؤدية إلى العاصمة. لكن بالنسبة إلى الكثير من السائقين، تشديد الحراسة بهذا الشكل يسبب القلق بسبب اعتماد تقنية الممر الوحيد على الطرق السريعة، فيضطر السائقون للسير بالسرعة الأولى لما لا يقل عن الساعتين من نقطة المطار إلى “الباراج” الواقع على مستوى محول مستشفى زميرلي في الحراش. والأغرب أنك إذا تجاوزت هذا “الباراج” الأخضر للدرك الوطني، فإنك تصطدم ب”باراج” أزرق على مسافة لا تتجاوز الكيلومترين، وتحت أعين كاميرات المراقبة المنصوبة على رؤوس أعمدة الإنارة المصفوفة على حافة الطريق. يقول صاحبنا الشايجي: “عملي وإن كان يتميز بالمشقة خاصة تحت أشعة الشمس الحارقة، إلا أنه مجدٍ ويوفر لي ما أحتاجه من المال لاقتناء الشاي وتوابعه من فحم وأباريق وأكواب بلاستيكية ونعناع.. كما يسمح لي بادخار مبلغ أرسله إلى عائلتي”. مثل هذا الشاب الشايجي يشبه حال العشرات بل المئات من أمثاله الموزعين عبر النقاط المرورية السوداء، همهم الوحيد كسب الرزق بالطرق التي يقدرون عليها. ومع كل ذلك، يجد الكثير من السائقين ضالتهم في هذا النشاط الذي يمكن أن نطلق عليه قاعة شاي متنقلة.. تهون عليهم بعضا من المعاناة المرورية التي شكلت قبل أشهر محورا رئيسيا في جدول أعمال مجلس وزاري مشترك برئاسة الوزير الأول، لم نسمع عن نتائجه إلى اليوم.