اختار بعض شبان الجنوب الجزائري الطريق السيار لبيع الشاي الصحراوي الذي يتفنن في تحضيره أبناء المنطقة، حيث يغتنم هؤلاء فرصة ازدحام الطرقات لعرض خدماتهم حسب الطلب مع ضمان سخونة الشاي وبأقل التكاليف.. غير أن هذه المهنة تفتقر لأدنى شروط الصحة والنظافة. الحديث عن ظاهرة بيع الشاي الصحراوي ليس جديدا، غير أن الجديد في هذا الموضوع أن هذه الظاهرة غزت وبكثرة الطرقات التي يكثر فيها ازدحام السائقين كالطريق السريع وبعض الطرقات الكبرى، مستغلين بذلك وقوف السيارات، حاملين معهم أباريق الشاي على الطريقة التقليدية بسعر 30 دج للكوب الواحد مع احتساب الرسوم. وفي هذا الإطار ارتأت ”الفجر” أن تسلط الضوء على يوميات بائعي الشاي في الطرقات والوقوف على مدى انتشار هاته المهنة التي تحمل العديد من المخاطر، لاسيما طريق وقوفهم في حواف أسوار الطرقات. المتجول في بعض الطرقات الكبرى والطريق السيار يلفت انتباهه وقوف أشخاص بزي صحراوي بدوي، حاملين إبريق شاي أصفر اللون مع كيس من الأكواب البلاستيكية والسكر الناعم، ناهيك عن بعض المكسرات وفي مقدمتها الفول السوداني باعتباره أرخص أنواع المكسرات، حيث شد انتباهنا رؤية هذا البائع وهو ينتظر وقوف السيارات للظفر بزبون في جو من الخوف ودرجة عالية من الحذر والحيطة تجنبا لأي حادث سير قد يلحق به، وهو ما وقفنا عليه، أين يقف هؤلاء في حافة الطريق لصب الشاي سريعا خوفا من مغادرة السائق مكانه في منظر يدعو إلى الشفقة على هذا الشخص الذي قد يدفع عمره كله مقابل كأس شاي، اقتربنا من بائع الشاي وسألناه كيف لك الجرأة للوقوف في هذا المكان الخطر؟ فأجابنا بابتسامة عريضة بيضاء هذه قسمتي، تركت أهلي وديرتي بحثا عن لقمة العيش. كانت هذه إجابة البائع بكل بساطة دون تزييف أو مبالغة. حينها غادرنا المكان تاركينه واقفا متمعنا في السيارات في تمعن بحثا عن زبون آخر. وفي بحثنا عن هذا الموضوع وجدنا أن هؤلاء البائعين يحرقون أعواد الخشب من بعض الأعشاب في فضاء بعيد، وبعدها يقومون بجمع الفحم ووضعه في أكياس بلاستيكية لتوفير ثمن الفحم الاصطناعي، لبدء رحلة ”جني” بعض الدنانير قبل حلول الظلام، حيث يستعمل هؤلاء هذا الفحم لتحضير الشاي الأخضر الذي يعتبره هؤلاء دخلهم الوحيد بعيدا عن الأعمال الشاقة رغم المكسب الزهيد، إلا أنهم راضون كل الرضا عن يومياتهم التي وصفوها بالمهمات المستحيلة. وعن طريقة التحضير، أفادنا أحد البائعين أن للشاي الصحراوي سر لا يعرفه إلا أبناء المنطقة الأصليين قائلا:”الرغوة أو الفقاعات الناتجة عن خلط الشاي هو سر نجاحه، وهو ميزة الشاي الصحراوي، حيث نقوم بغلي القليل من الماء مع وضع كمية معتبرة من الشاي ونتركه يغلي لدقائق حتى يصبح مركزا، ثم نقوم بتغيير الإبريق من إبريق صغير إلى آخر كبير وإضافة الماء تدريجيا مع استمرار عملية الخلط والتحريك، إلى أن نصل إلى شاي معتدل مملوء بالرغوة، وهو سر المهنة الذي جعلنا ملوك الشاي دون منازع”.