لم تكشف السلطة، إلى الآن، عن وثيقة مراجعة الدستور، رغم مرور ستة أشهر على المشاورات التي أدارها أحمد أويحيى، مدير ديوان الرئيس بوتفليقة، بينما يطالب حزبان الرئاسة بالكشف عن الوثيقة، هما حزب العمال للويزة حنون وجبهة التغيير لعبد المجيد مناصرة. قد يبدو من الوهلة الأولى، أن انفراد كل من حزب العمال وجبهة التغيير، بدعوة السلطة الكشف عن خلاصة وثيقة مراجعة الدستور، التي بحوزة أحمد أويحيى، مطلب “هامشي”، في ظرف موسوم بتوتر داخلي، رسمه أعوان الشرطة الذين ملأوا محيط رئاسة الجمهورية بالعاصمة، لأول مرة، وقياسا أيضا، بهبة معظم التشكيلات السياسية، نحو الملفات الاجتماعية والأمنية والسياسية، الداخلية والخارجية، دون أن تفرد التأخر الكبير في إعلان الحكومة مسودة تعديل الدستور، حيزا ظاهرا في أجندتها، منذ أشهر، وذلك خارج تلك الأحزاب التي من البداية كان موقفها مناهضا للمراجعة أصلا، وفضلت السير فيما تسميه “الانتقال الديمقراطي”، على أن تساير مبادرة تراها “سلطوية” لا تخرج عن مبادرات سابقة، أظهرت فشلها. الأفالان والأرندي، أول تشكيلات حزبية أفردت تلميعا لصورة دستور جديد، لم يتضح منتهى معالمه، سوى معالم أولية ضمن مسودة، طرحتها الوزارة الأولى، للنقاش، بينما 5 أشهر مرت، (المشاورات بدأت شهر جوان) ومازالت المسودة “الرسمية” بأدراج أحمد أويحيى، فهل غطت الأحداث الوطنية والإقليمية المتلاحقة، بما في ذلك، التوتر على الحدود الجنوبية والشرقية وأيضا الغربية، على اهتمام السلطة، إلى درجة فضلت التريث في كشف مسودة مراجعة الدستور، على “استكمال” إصلاحات سياسية، أصلا بدأت قبل ثلاث سنوات كاملة، وظل جوهرها (الدستور) كما وصفته السلطة، معلقا على قرار من الرئيس. لكن تغلب الهاجس الأمني على استكمال مبادرة الإصلاح، أنتج واقعا فصلت فيه المبادرات الأمنية والترتيبات الاجتماعية، الظرفية، عن الإصلاح السياسي المستديم، الذي وبالطبيعة، يتضمن هذه الترتيبات في جوهره، فاهتمت السلطة بالجزء وتركت الكل، باعتبار أن “الإصلاح السياسي العميق”، كما أراده بوتفليقة، - ويبدو من خلال التأخر في ترسيم مراجعة الدستور، أنه تراجع عنه - لا يختزل في مجرد تعديل للدستور، على ما يوضحه بخصوص طبيعة النظام السياسي ومسألة العهدات الرئاسية، وما أضيف إليه من جديد يتعلق بمحاربة الفساد، ودسترة المصالحة الوطنية، وغير ذلك، وإنما يتعداه إلى إحاطة الأزمات بغلاف في صميم إصلاح سياسي، يتقدمه دستور تفصل فيه، بصفة فعلية، السلطات وتوزع فيه الصلاحيات بالشكل الذي يضمن تحمل كل طرف مسؤوليته، سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا. ودخل الملف ضمن “جدلية صامتة”، حينما ساد اعتقاد في البداية أن إثارة تعديل الدستور، أنتجتها الرغبة في تغطية إخفاقات، خاصة في أوج الجدال حول مكافحة الفساد، وطفو فضائح سوناطراك 2 إلى السطح، وعلاقة الوزير الأسبق للطاقة شكيب خليل بها، ثم استقدام عبد المومن خليفة من بريطانيا، لكن انكفاء المناداة بإخراج الوثيقة من أدراج مكتب أويحيى، في المرحلة الأخيرة، أبرز قناعات تفيد بأن مراجعة الدستور لم تعد أولوية، أو هذا ما يلمح إليه الصمت المطبق الذي يلف الملف، وتحاول الأمينة العامة لحزب العمال كسره بتذكير السلطة، أنها وعدت بإصلاح عميق جوهره دستور جديد، ثم “نامت على الملف”، وكذلك يفعل عبد المجيد مناصرة، دفاعا عن أطروحة “الدستور التوافقي”، الذي ترفضه حنون، بينما تقف معظم الأحزاب، بما فيها الأحزاب الجديدة، التي شرفها أويحيى في مكتبه جوان الفارط، موقف المترقب إزاء الآتي من السلطة، في مرحلة شهدت طغيان المعارضة على المشهد السياسي، (لقاءات متوالية لأطراف تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي) مقابل انكفاء الموالاة، التي ظلت طيلة مشاورات تعديل الدستور، تهلل لهذا الوافد الجديد، لكنها وكما تأخرت السلطة على توقيع شهادة ميلاده، وأدته هي الأخرى بصمتها، مثلما صمت الأمين العام للأفالان عمار سعداني، بعد تغريدات لم تتوقف مطالبا بدستور، يعيد الحكومة للأغلبية.