قرار تكليف الجيش بفضّ فتيل الفتنة في غرداية، هو تصريح بعجز السياسي عن احتوائها قبل حلها. لكن لهذه المهمة وجها ثانيا سيؤثر على صورة المؤسسة العسكرية، في حال تفاقم الأزمة واستمرار سقوط الضحايا. ليست المرة الأولى التي تفشل فيها حكومة، فهي متعودة على تسويق غبار الحلول. حاربت البطالة بمشاريع ”لونساج”، فتحولت الشوارع والأرصفة والمساحات الخضراء والصفراء بترابها إلى فضاءات لبيع أي شيء، محرّرة التجارة الداخلية من قيود الضرائب ومن الإدارة. فمصالح الرقابة على قصورها وعلى مشاكلها، لا تستطيع مراقبة شيء هو غير موجود رسميا. فممارسات السلطة جعلت مفهوم العمل ودفع الضرائب قيمة سياسية تشتري به سلما اجتماعيا هو غير مضمون الولاء، بعدما تفتحت العيون وأصبحت قوافل البطالين تشتغل على مواضيع في الاستشراف. تحلل وتستنتج، ثم تخطط للتعامل مع تقلبات السوق. لقد أصبح الجميع يلعب على المكشوف. شارع لا يتردد في استخدام لغة الابتزاز وسلطة غارقة في أوهام أن مال النفط يغنيها عن أي بديل اجتماعي أو سياسي. لو يقوم الخبراء بتحليل مدى تأثير الزيادات في الأجور على نوعية الخدمات والنشاط الاقتصادي عموما، لأكدوا ما نلاحظه يوميا من استمرار ظاهرة تقديم خدمات بشكل سيئ، وأحيانا مشين، في الإدارة والمستشفيات. لماذا؟ وأين الخلل؟ إن ضمان هذا الحق، يعد أحد أوجه ممارسة سلطة الدولة، الذي تخصص له ميزانية؟ في حالتي ”لونساج” وضمان الخدمة العمومية، لم تستطع السلطة تغطية عورتها. لعبت لعبة لم تعد قادرة على احتوائها، أمام تراجع مداخيل النفط وتعيش حاليا أولى مراحل العجز المالي. ومع ما نعيشه من صعوبات في النقل بشكل يومي، ومشاكل للتحكم في مستوى معيشي متوسط، أو في نوعية العلاج، أو مستوى خريجي المدارس، فإن ما هو قادم يعدنا بالأسوأ على مستوى نوعية المعيشة. ولا تقف ظاهرة ”لونساج” عند أبواب وزير المالية، فهي لا تكتفي بتجارة، تصب معظم أرباحها عند مستوردين محظوظين، بل نحن أمام ظاهرة ”لونساج سياسي”، تتدبر أمره أحزاب ومنظمات تخصصت في المرافقة وتلبية الرغبات. صحيح أن أحزابا وشخصيات معارضة تعمل على جمع شروط للضغط على السلطة، إلا أنها لا تملك لحد الآن ما تقابل به قوة السلطة في ممارسة الإغراء، إلا الإصرار على المطالبة بتغيير في سلم قيم ممارسة السياسة. إن تكليف الجيش بتسيير أزمة غرداية يعد اعترافا بفشل مدنيين في تسيير وفي استيعاب أبعاد ومخاطر أزمة من شأنها أن تتحول إلى جمرات تهدّد نسيج مجتمع متنوع ومتعدد الألوان، الذي يرفض الحكم أن يراه إلا بالأبيض والأسود. كما لا يضمن هذا الوضع استمرار العمل بمبدأ عدم تدخل الجيش خارج الحدود. إننا نعيش حالة استثنائية قد يؤدي فيها الوضع السياسي الداخلي إلى اتخاذ قرارات سياسية (تحت ضغط دولي) تسمح بتوريط الجيش في مهمات إقليمية، بحجة محاربة الإرهاب. إن التطورات الحاصلة منذ الرئاسيات الأخيرة، تؤكد على استمرار تراكم خيارات، تبعد يوما بعد يوم من فرص الإصلاح بأقل كلفة ممكنة. وإن كان جزائريون يترقبون ما سيسفر عنه تنسيق عمل أحزاب عارضت العهدة الرابعة، فإنهم يتابعون خطوات حزب الأفافاس الذي يشتغل على نفس المشروع، لكن بترتيبات وتفاصيل مختلفة. إن سرعة الحل في غرداية ستحسم بشكل كبير في رفع الضغط. لكن المشكلة أن الحل السياسي في غرداية يتطلب مشروعا ورؤية سياسية وطنية. ومشروع بهذا الحجم، في حاجة إلى وقت وصبر وإلى ثقة.