تدخل عسكري وشيك في ليبيا وحوار متعثر بمالي وميلاد “جند الخلافة” أبواب جهنم على حدود الجزائر تعددت ملفات “التوتر” بالنسبة للسلطة في الجزائر بشكل غير مسبوق، فبالإضافة إلى الملفات الداخلية، وعلى رأسها تحركات المعارضة الأخيرة، تتوزع جهود النظام لاحتواء وضع داخلي غير عادي، وتهديد خارجي يشعل النار على الحدود، بينما يوقع تنظيم ما يسمى “جند الخلافة” شهادة ميلاده بالجزائر، على نحو صارت استراتيجية مكافحة الإرهاب بحاجة إلى “مراجعة” لارتباط التنظيم الذي أعدم الرعية الفرنسي، هيرفيه غورديل، بتنظيم دولي تشن ضده حرب دولية، يهم الأطراف التي تديرها أن تكون الجزائر طرفا فيها، داخل التحالف الذي تقوده إدارة باراك أوباما. شهد الأسبوع الماضي تحركا جزائريا بالأمم المتحدة في مؤتمر مكافحة الإرهاب، وأشّرت التصريحات التي جاءت على لسان وزير الخارجية رمضان لعمامرة، على أن السلطة في الجزائر تدفع، بأي ثمن، باتجاه حلول تفاوضية وسلمية، لحلحلة النزاع فيما بين الماليين وفيما بين الليبيين، أيضا. والهدف يكمن في إبعاد شبح التعفن والتوتر أكثر مما هو عليه على الحدود الجنوبية والشرقية للبلاد، بعد إرسال ترسانة عسكرية إلى المنطقتين. وبينما يعرف الحوار بين الماليين تعثرا، بعد أن بدأ شهر جويلية الماضي في الجزائر، أبدت الجزائر استعدادها لاحتضان المفاوضات بين الليبيين، في سبيل إيجاد تسوية تكفل استقرارا أمنيا بالجارة الشرقية، تدفع من خلاله خطر الإرهاب على الحدود، لكن هذا الهدف يبقى رهين تطورات الوضع في ليبيا، إثر احتمالات تتضاعف بتدخل عسكري خارجي وشيك، يجري طبخه في المخابر الغربية، قد يعيد الترتيبات الأمنية الجزائرية، عبر حدودها، إلى نقطة الصفر. وفي وقت ضاعفت الحكومة تحركاتها، سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، بدافع حماية الحدود (اجتماع الرئيس بوتفليقة بكبار القادة العسكريين الأسبوع الماضي)، من أجل وضع حزام أمني أمام تهديدات الإرهاب الآتي من خارج الحدود، اصطدمت بإكراه أمني داخلي، وظهر أن ما كانت تتخوف أن يأتيها من الخارج قد صادفها من الداخل، وزادها إكراها أمنيا إضافيا، فرضه تنظيم “جند الخلافة” الموالي ل”الدولة الإسلامية في العراق والشام”، كمعطى إرهابي جديد، سيكشف، لاحقا، إن كانت السلطة تتعامل معه بمنظومة مكافحة الإرهاب الداخلي المعتادة، أم بتدابير ترتبط بمحاربة التنظيم “داعش” دوليا؟ مع أن الفرضية الأولى هي الأقرب، إن استطاعت الجزائر البقاء وفية لمبدئها بعدم خروج أي جندي خارج الحدود. ويظهر أن هذا المبدأ تسبب في متاعب دولية جمة للجزائر، منذ رفضها التدخل عسكريا لطرد الجماعات المسلحة شمال مالي، عندما باشرت فرنسا عملية “سارفال”. وليس فقط “ملفات النار” الآنية ما يؤرق سلطة مازالت تواجه ملفات من الماضي، والواضح أن ملف الرهينة المعدم، هيرفيه غورديل في البويرة، الأربعاء، قد صفف جنب ملف الرهبان السبعة لتيبحيرين (المدية 1996)، وقرب ملف “تيڤنتورين” (جانفي 2013)، وهي كلها ملفات “ضغط” تستعمل من قبل الخارج، عندما تدعو الضرورة إلى ذلك. المعارضة تتوعد وتجمع صفوفها وسلطة تفتقد لمن يسندها مواجهة تحديات وضغوط الخارج بجبهة داخلية هشة يعكس استدعاء رئيس الجمهورية للمجلس الوطني الأعلى للأمن، درجة وحجم الاضطراب المحيط بالجزائر ليس خارجيا فقط، مثلما يعتقد البعض، ولكن داخليا أيضا، من خلال حجم الاحتقان في الجبهة الداخلية الذي يميزه تجمع قوى المعارضة للضغط على السلطة لتحقيق ما تسميه “التحول الديمقراطي”. فهل بالمقدور مواجهة تحديات الخارج بجبهة داخلية هشة ؟ أعلنت رئاسة الجمهورية، خلال الأسبوع الفارط، عن التئام المجلس الوطني الأعلى للأمن، لتقييم المخاطر المحيطة بالبلاد، خصوصا في ظل ما تردد بشأن تدخل عسكري أجنبي في ليبيا وتداعيات حرب الحلفاء ضد تنظيم “داعش” في سورياوالعراق. لكن موازاة مع استدعاء اجتماع مجلس الأمن، تعيش الساحة الوطنية السياسية حالة من “التشرذم”، فالسلطة مازالت في ظهورها القليل “منفردة” دوما في قراراتها، وشركاؤها عاجزون عن تقديم مبادرات من شأنها “احتواء” الاحتقان الجاري في الشارع. بدورها مازالت قوى المعارضة وأحزابها على نفس المسافة من “العداء” ضد السلطة، ولم يحدث أي تقارب يذكر رغم مرور أكثر من 5 أشهر على فوز الرئيس بوتفليقة بعهدة رابعة. هذا الوضع يطرح علامات استفهام ملحة، هل بمقدور السلطة مواجهة ما يسميه الجميع “التهاب حدود البلاد”، اعتمادا على الجانب الأمني البحت، خصوصا أن قوات الجيش منتشرة في مختلف نقاط التماس الحساسة منذ عدة سنوات وهو عبء ثقيل واستنزاف حقيقي لقدراتها، بينما تفتقد السلطة ولم يظهر لديها أي مؤشر لتجنيد القوى الشعبية والسياسية لتكون في نفس الخندق، على الأقل الاتفاق على هدنة مؤقتة مع قوى المعارضة، إلى غاية مرور سحابة “الأخطار” المحيطة بالجزائر التي تضغط عليها لجرها إلى بؤر توتر عديدة. ويعد اغتيال الرعية الفرنسي من قبل جماعة إرهابية، بغض النظر عن الظروف التي تم فيها، مؤشر على محدودية الحل الأمني في تحقيق الأهداف ما لم يرافقه التجنيد الشعبي والسياسي. ويكون هذا الوضع هو الذي جعل رئيس جبهة التغيير، عبد المجيد مناصرة، ينصح الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة بالتجاوب مع مبادرات المعارضة ومنع ضياع فرصة التغيير، حتى وإن كان مقتنعا بأن السلطة عاجزة عن تقديم مبادرات (الرئيس مريض وغائب)، وافتقاد أحزاب السلطة أيضا للقدرة على المبادرة. لكن بالنسبة للديبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي، فإن “التنكر لفضل الجزائريين في مكافحة الإرهاب قتل لديهم حس التعبئة، متهما السلطة بسياساتها “فقدت أقوى سلاح في مكافحة الإرهاب، وهو القدرة على تجنيد المواطنين بعد أن رُسِّخ فيهم شعور بزوال الإرهاب”. ويكون هذا التهميش الذي تحدث عنه رحابي وراء ما ذهبت إليه حركة عبد الرزاق مقري التي اتهمت السلطة ب”الأحادية” في القرارات والتوجهات، وعدم تفاعلها مع مقترحات المعارضة السياسية التي تعتبر مكونا أساسيا من مكونات النظام السياسي، وهو ما أفرز، حسب “حمس”، نتيجة غياب السلطة والحكومة في كثير من الأحداث. حوار المحامي والناشط السياسي مقران آيت العربي ل”الخبر” ما يجري على حدودنا وفي العالم يحتاج إلى ظهور الرئيس يوميا هل رفض المعارضة الوقوف إلى جانب السلطة في مشاريعها السياسية، يمكن أن يؤثر عليها في معركتها ضد الإرهاب وصيانة الحدود؟ ليس من مهام المعارضة أن تساند السلطة في مشاريعها السياسية المختلفة ما دامت تعارض هذه السياسية. وإذا حدث أن ساندتها، كما فعلت حركة مجتمع السلم أو التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عندما شاركت في الحكومة بغض النظر عن عدد الوزراء، فلا يمكن أن تسمى معارضة ولها وزراء في الحكومة. ولكن لا يمكن الخلط بين السياسة من جهة ومحاربة الإرهاب وحماية الحدود من جهة أخرى. فعندما تتعلق المسألة بأمن الجزائريين والجزائريات فليس هناك سلطة ومعارضة، بل هناك الجزائر التي لا يمكن على الإطلاق أن نختلف في الدفاع عن أمنها وسلامتها. ونتذكر المرحوم العقيد محند ولحاج الذي ترك المعارضة وتوجه بجيشه إلى الحدود الغربية خلال العدوان المغربي بعد الاستقلال، للدفاع عن الحدود مع جيش النظام الذي كان يحاربه. هل الجبهة الحدودية المضطربة والضغوط الجيواستراتيجية لإقحام الجزائر في معارك خارجية يمكن أن تراجع مواقف كل من السلطة والمعارضة الرافضتين للحوار مع بعضهما البعض؟ لا علاقة للحوار السياسي الرامي خاصة إلى التموقع أو البقاء في السلطة أو الوصول إليها بما يجري على الساحة الأمنية. فمحاربة الإرهاب والدفاع عن الحدود وعن أمن الجزائر لا يحتاج إلى أي حوار أو نقاش، بل يحتاج إلى جمع كل الطاقات الوطنية لنتصرف كجزائريين مهتمين بأمن الجزائر مع محافظة كل واحد على أفكاره السياسية. وفي نفس الوقت، لا يمكن للسلطة أن تلوّح في كل صباح بالقضايا الأمنية لتصد الأبواب في وجه المعارضة. إلى أي مدى يمكن أن تؤثر حالة الرئيس الصحية على معركة الجزائر ضد الإرهاب وحماية الحدود؟ بالنسبة لمحاربة الإرهاب في الجزائر، فإن الجيش مسخّر لهذا الغرض بطريقة قانونية، وسيقوم بهذه المهمة إلى غاية القضاء على آخر إرهابي، ولا يحتاج إلى تعليمات يومية. أما حماية الحدود فهي من مهام الجيش الدائمة بمقتضى الدستور ويمارسها تحت قيادته العسكرية باستمرار، بغض النظر عن النظام والسلطة والمعارضة ولا يحتاج في ذلك إلى أي أمر من السلطة السياسية. وأكثر من ذلك، فلا يمكن للجيش أن يقبل أوامر تتعلق بالتخلي أو بالتقاعس في حماية الحدود مهما كان مصدرها. وقد رأينا أن الجيش تدخل تلقائيا لصد العدوان العسكري الإرهابي في تيڤنتورين الذي جاء من الخارج، مستعملا في ذلك الوسائل اللازمة ولم ينتظر أوامر السلطة السياسية. أما مرض الرئيس في حد ذاته فهو يؤثر على جميع مجالات الحياة، باعتبار أن ما يجري على حدودنا وفي العالم يحتاج إلى ظهور الرئيس يوميا لتأكيد موقف الجزائر حتى يشعر الشعب أنه محمي سياسيا. أما الحماية العسكرية فالجيش قائم بمهامه، ولكن السلطة السياسية ليست في مستوى تسيير الأزمات من الناحية الإعلامية. الجزائر: محمد سيدمو اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد ل”الخبر” السياسة الدفاعية للدولة ينبغي أن توحّد الجميع سلطة ومعارضة هل الانقسام الموجود حاليا بين السلطة والمعارضة في تصور الحلول السياسية للأزمات التي تحيط بالبلاد، يمكن أن يؤثر على الجزائر في معركتها ضد الإرهاب وصيانة الحدود؟ إن المشاريع السياسية تكون في العادة مختلفة بسبب تعدد الأفكار والبرامج والمشارب الإيديولوجية والمنطلقات السياسية التي تميز أصحابها، كما أن انقسام الحياة السياسية إلى أحزاب في السلطة وأخرى في المعارضة يقتضي من الفريقين إبداء آراء متعارضة في رؤية كل طرف إلى التسيير وتصور حلول المشاكل السياسية والاجتماعية. لكن ذلك لا ينطبق على السياسة الدفاعية للدولة، التي تتطلب إجماعا وطنيا عليها سواء من مؤسسات الدولة أو من كل الفاعلين في الحياة السياسية والمجتمع المدني والقوى الحية في المجتمع. هل الضغوط الجيواستراتيجية لإقحام الجزائر في معارك خارجية، والتحديات الأمنية على الحدود الجنوبية والشرقية، يمكن أن تراجع مواقف كل من السلطة والمعارضة الرافضتين للحوار مع بعضهما البعض؟ ينبغي التذكير دائما بأن الدفاع الوطني هو مسألة تخص عموم أبناء الوطن ولا تقتصر على طرف دون الآخر. ومن هذا المنطلق، يجب أن تكون للأحزاب السياسية قناعة وحيدة هي أن تكون في خدمة الوطن عندما يتعلق الأمر بمسائل حماية الوطن وأمن الحدود والسياسة الدفاعية دون إدخال أي حسابات أخرى تتعلق بتنافسها السياسي المشروع للوصول إلى الحكم. إن تبني هذه القناعة سيحصن الجزائر من الابتزاز الخارجي، لأن جبهتها الداخلية ستكون متماسكة وقوية. إضافة إلى ذلك، تمتلك الأحزاب إلى جانب المدرسة وباقي المؤسسات، قدرة على تعبئة المواطنين وتحسيسهم بالخطر الذي تتعرض له بلادهم، وبالتالي القيام بدورهم الوطني الأصيل في صيانة التراب الوطني وحماية السيادة الوطنية، وهو ما ينبغي أن يكون أولوية رؤيتهم السياسية. هل يمكن أن تؤثر حالة الرئيس الصحية على معركة الجزائر ضد الإرهاب وحماية الحدود، أم أن مؤسسات الدولة قادرة على القيام بدورها في كل الظروف؟ الجزائر لديها مؤسسات قوية يمكنها أن تضمن الاستمرار الطبيعي في نشاطات الدولة في كل الظروف. ومن هذه المؤسسات يوجد الجيش الوطني الشعبي الذي له صلاحيات دستورية تفرض عليه المحافظة على الاستقلال الوطني والدفاع عن السيادة الوطنية، كما يضطلع بالدفاع عن وحدة البلاد وسلامتها الترابية، وحماية مجالها البري والجوي ومختلف مناطق أملاكها البحرية، وبالتالي يعتبر الجيش محور الدفاع الوطني وفق الصلاحيات الممنوحة له في المادة 25 من الدستور. ويمكن رؤية ذلك بوضوح في الجهود الكبيرة التي قام ولايزال يقوم بها الجيش في القضاء على الجماعات الإرهابية، وكذلك سهره على حماية التراب الوطني بعد تفجر الاضطرابات في السنوات الأخيرة، سواء على حدودنا الجنوبية في مالي أو على حدودنا الشرقية في ليبيا وبدرجة أقل في تونس. الجزائر: حاوره محمد سيدمو