يرى المتدخلون في ندوة حول كتابات كاتب ياسين، التي تدوم يومين، وينظمها قسم اللغة الفرنسية، بجامعة ڤالمة أمس، بقاعة ساسي بن حملة، أن تداخل ”القرآن الكريم” في شخصية كاتب ياسين المبكرة، أفرز صيغة ”النجمية”، التي فجّرت الكلمات، المعاني والفواعل في نصوصه، وذكاها تكريس الثقافة ”القبيلة”، العربية والأمازيغية الممزوجة بما غرسته فيه أمه من ثقافة شعبية، ليبقى التداخل والتجزئة في رواية ”نجمة” علامة من علامات الثورة، التي جاءت كمحصلة لمجازر 8 ماي 1945. ”التنجيم” عند كاتب يبرز أثر القرآن فيه والتجزئة دلالة للثورة تحدثت الأستاذة رشيدة سيمون المختصة في الأدب الفرنسي والدراسات المقارنة المعاصرة، عن صيغة ”التنجيم” التي تعبّر عن نوع خاص من الانفجار في أعمال كاتب ياسين، وارتباطه بالقرآن الكريم الذي أنزل ”منجما”، حيث ياسين وعلى غرار باقي أطفال ذلك الزمن درسوا بالمدرسة القرآنية قبل التحاقه بالفرنسية، وهو ما يبرز تأثير لغة ”القبيلة” العامية، واللغة الفصحى عن طريق حفظه للقرآن، فكان أثر ذلك واضحا في أعماله الأدبية. قالت الأستاذة سيمون، إن ”التنجيم” ظهر وتكرّس عن طريق صور بلاغية مهمة، مثل صورة ”الالتفات” التي تظهر في النص، من خلال جملة من الإجراءات الكتابية التي تظهر في انتقاله بين الحديث بصيغة الفردية” أو ”الذاتية” التي يعبّر عنها ب ”أنا”، إلى صيغة الجمع في ”نحن”، وكذا في قدرته على تكسير الزمن بين الحاضر والمستقبل والرجوع للماضي، وذلك في تعقّبه لمختلف الأفكار والرؤى التي تنتابه في لحظات الكتابة، بحيث لا يترك مجالا لتتابع المشاهد وفقا لمنهجية متسلسلة فتكون الأولوية لترتيب أفكاره ثم الاهتمام بالمعاني. ياسين أثر حتى في محمد ديب تطرّقت الأستاذة أيضا إلى أثر كاتب ياسين في عديد الكتّاب الجزائريين والمغاربة، من بينهم محمد ديب، الذي اعترف بعد خمسين سنة بأن كتابته جاءت وفقا لسياق ”كاتب ياسين”، وبرز تأثره بتنجيمه، وهو نفس الشيء الذي حصل في كتابات عبد الوهاب مداب، محمد خير الدين، وهذه الصيغة الكتابية ”التنجيم” هي موجودة في صلب الثقافة العربية الإسلامية وكذا الجزائرية، عن طريق تأثير النص القرآني، وهي بذلك تشبه هذا الانفجار للجمل والمعاني وكذا الفاعل في النص. ورفضت الأستاذة سيمون أي تأثير وافد على ”كاتب ياسين” من الثقافة الغربية، وقالت إن كتاباته نابضة بكلام أمه، حكاياتها، أغانيها وقربه منها، فهي تعبّر حقيقة عن الثقافة ”الأم” التي استقاها منها قبل كل شئ، ثم بالشعر الملحون، بالأسطورة وحتى مجرد الشبه لا يمكن، بل إن ما حصل هو أن كاتب ياسين هو الذي أثّر في الأدب الغربي، فكانت أفكاره ومعانيه تتمازج بين النار والجنون الأدبي. الرمزية والغموض وصعوبات الترجمة أما فيما يخص الرمزية التي تتسم بها أعماله وخاصة ما تعلق منها برواية ”نجمة”، قالت إن ”ياسين” لم يشأ أن يفصح عن اسم ابنة عمه ”زوليخة” في روايته ”نجمة”، بل ألمح إلى ذلك في إشارة رمزية، وذلك بدافع تأثّره بالثقافة الشعبية في شقها ”المحافظ”، حيث يحظر على الكاتب أن يفصح عن مكنوناته في مجتمع تسود فيه ”القبيلة” –ولأن كاتب ياسين سليل في حقيقة الأمر قبيلة بني كبلوت، التي يوجد عرش يسمى باسمها بدوار بني غرور ببلدية حمام النبائل بڤالمة-، فجاءت المرأة ضمن صيغ عدة مشعة، جذبة شهاب ثاقب ومض شفاف... تحدّثت الأستاذة سيمون عن الغموض والعمق الذي يسم أعمال كاتب ياسين، وهو ما جعل السعيد بوطاجين يعترف صراحة بصعوبة ترجمتها، ورأت أن قراءة نصوصه عشر مرات لا تكفي لاستخراج المعنى، حيث وصفت المعاني التي تحملها ب«المتنجمة”، ومن يقول أنه تمكّن من الإمساك بطرف المعنى فهو واهم ليس إلا، وهذا يفرض على كل قارئ أن يبحث في مفاصل الكلام، بل إن ذلك حتمية تفرضها حالة العجز حيال فهم نصوصه أصلا، والتي لن تحصل حتى مع القراءات المتعددة، ويكفي أن كاتب ياسين حسب الأستاذة، حتى في عبثه بالكلمات، يمكنه أن يعبر عن حالات مختلفة من بينها المعاناة. ياسين.. التداخل والكتابة المجزأة من جهته، تحدّث الأستاذ محمد البشير أكريمي، عن مداخلته التي حملت عنوان ”نجمة كاتب ياسين: ثورة الكتابة الروائية”، التي جاءت وفق محورين رئيسيين، تداخل الأجناس الأدبية والكتابة المجزأة ”المنجمة”، حيث يشير الأول إلى حالة من التداخل الذي يعكس التداخل الحاصل على مستوى الهوية كنتيجة حتمية لتعدد الألسن اللغوية في حياة كاتب ياسين، بين: العربية، الأمازيغية والفرنسية، وهو ما عكس حسبه ”أزمة الهوية” لديه وأثّرت فيما بعد على الكتابة الروائية. واعتبر الأستاذ اكريمي، أن الكتابة المجزأة لدى كاتب ياسين هي نوع من أنواع ”الثورة” ضد الأنماط التقليدية للكتابة الروائية الغربية، باعتبار أنه لم يكن هناك نصوص عربية يمكنها أن تقف في وجهها، ولذلك حاول أن يخلق شخصية روائية عربية مستقلة. وأضاف الباحث أن الكتابة المجزأة عند كاتب ياسين جاءت كنوع من المقاومة ضد الرواية الغربية وضد كل ما هو فرنسي، وهي بذلك تشكل ثورة أدبية ضد النمط الروائي الغربي، وبعكس ما قالته الأستاذة سيمون أن كاتب ياسين حالة متميزة ولم يستطع أن يؤثر فيه الأدب الغربي، ذكر الأستاذ اكريمي أن كاتب ياسين هو من قالها صراحة بتأثره بنخبة من الأدباء والمفكرين العالميين من بينهم جيرارد نافال، فولكنار، ابن خلدون وابن العربي، وهو ما يظهر في أن النص الروائي ”الكاتبي” يحيل إلى التنوع المستقى من كل هذه الروافد، بحكم أخذه منهم جميعا، ويبقى التداخل والتجزئة في رواية ”نجمة” علامة من علامات الثورة التي جاءت كمحصلة لمجازر 8 ماي 1945 التي حصلت بثلة من ولايات الوطن وتحولت إلى استعارة لباقي الولايات.