تؤكد ممارسات الإدارة في الآونة الأخيرة، التراجع الرهيب للحريات النقابية والتضييق على العمل النقابي المكفول دستوريا، بالرغم من خطاب الغزل والتودّد الذي تحاول الأخيرة تصديره للواجهة تجاه الشركاء الاجتماعيين، حيث عرّت التعليمة الأخيرة لوزارة التربية والتحرشات التي تستهدف النقابيين وتجرّهم إلى غاية أروقة العدالة في قطاعات متعددة، الواقع المرّ الذي آلت إليه الممارسة النقابية في الجزائر هذه الحقيقة يُجمع عليها جميع العاملين في الحقل النقابي وتُصدقها الأحداث والوقائع التي تستهدف تمثيليات العمال في مختلف القطاعات والمهن بالشكل الذي يدفع نحو تقويض الحرية النقابية وحق الدفاع عن الانشغالات الشرعية للمستخدمين، تماما مثلما يجري هذه الأيام مع النقابة الوطنية للصيادلة، التي اعتبر ناطقها الرسمي السيد صلاح الدين منّاع، ما يحدث في ولاية باتنة تجاوزا خطيرا سيؤدي إلى انزلاقات قد تكون عواقبها وخيمة، في حال عدم تدخل السلطات الوصية لوضع حد لتجاوزات المدير الولائي للصحة، مردفا بالقول “هذا الأخير تجاوز جميع الحدود إلى درجة طعنه في مصداقية نقابة تمارس نشاطها منذ عدة سنوات، فضلا عن تحرشه بالصيادلة من خلال استهدافهم ب190 إنذار كلها غير قانونية”. وأمام هذا التعسف، قررت نقابة “السنابو” يضيف ذات المتحدث، القيام بعملية إنزال باتجاه ولاية باتنة لمساندة زملائهم المستهدفين بتعسفات وتحرشات المسؤول المذكور، حيث “تم الاتفاق على تنقل أعضاء 45 مكتبا ولائيا يمثلون مختلف ولايات الوطن إلى باتنة للتعبير عن غضبهم واحتجاجاتهم خلال التجمهر المقرر يوم 4 نوفمبر المقبل، مع إمكانية توسيع الإضراب المزمع تنظيمه في هذه الولاية أيام 9و10و11 من ذات الشهر، ليشمل كل ولايات الوطن في حال عدم تدخّل وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات لوضع حد لهذه التعسفات غير المبررة”. مضيفا بأن “التحرشات كثيرة وأشكالها متعددة، مثل حملات التفتيش غير القانونية التي طالت بعض صيدليات الوطن، ناهيك عن تدخل مديريات التجارة في عمل الصيادلة، من خلال إدراجهم في نظام المناوبة بالرغم من أن الصيدلي تؤطره وزارة واحدة هي وزارة الصحة”. وقد جاءت التعليمة الأخيرة لوزيرة التربية لتفتح جدلا كبيرا حول حقيقة حرية العمل النقابي، لاسيما وأن بن غبريت ألزمت نقابات القطاع وجمعيات أولياء التلاميذ، بتقديم طلب عقد اجتماع قبل عشرين يوما من تاريخه، وانتظار أسبوع كامل للحصول على رد المصلحة المختصة، مع إرفاق قائمة بأسماء المشاركين وإجبار مديريات التربية بتقديم تقرير مفصل عن أشغال اللقاء، وهي الشروط التي اعتبرها النقابيون غير مؤسسة وغير مسبوقة. وفي هذا الإطار، ندد الحاج دلالو رئيس الفيدرالية الوطنية لأولياء التلاميذ في اتصال جمعه ب“الخبر” أمس، بما أسماه “القرارات الارتجالية التي تعتمدها الوزارة الوصية في الآونة الأخيرة والتي ستجرّ القطاع نحو التعفن”، معلقا على التعليمة السالفة بالقول “لم نعد بنظر الوصاية شركاء اجتماعيين يتم استشارتهم وفتح باب الحوار معهم مثلما هو مفترض، بل تحوّلنا إلى أناس من خارج القطاع”. نفس الحال ينطبق على نقابات في قطاعات أخرى، على غرار المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي والبحث العلمي “كناس” الذي استنكر بشدة في آخر بيان توّج أشغال مكتبه الوطني “التناقض المسجل ما بين الخطاب الرسمي للوزارة والانتهاكات الخطيرة التي تُورط عمداء العديد من جامعات الوطن، ممّن يجرّون بتصرفاتهم المتهورة الجامعة الجزائرية إلى مصير مجهول”. واحتجت أقوى نقابة في قطاع التعليم العالي بشدة في بيانها، ضد هذه الانتهاكات والتعسفات التي سُجلت مؤخرا في جامعات باتنة، الوادي، بشار، الجلفة، سعيدة، وبجاية، محتفظة بحقها القانوني في الرد على ما أسمته التصرفات اللامسؤولة لبعض العمداء خاصة في جامعتي سعيدة وبجاية، أين وصل الحال إلى حد تهديد أعضاء النقابة وإحالتهم بشكل تعسفي نحو القضاء أما داخل بعض المؤسسات الأجنبية فحدّث ولا حرج، بالنظر إلى التجاوزات التي تسجل داخلها باعتراف عبد المجيد سيدي السعيد، أمين عام الاتحاد العام للعمال الجزائريين، حيث وصل الوضع إلى حد توقيف ممثلي العمال وإحالتهم إلى العدالة بتهم التجمهر غير القانوني وعرقلة حرية العمل، ذنبهم الوحيد في ذلك هو تجرّؤهم على المطالبة بحقوقهم الشرعية المكفولة بقوة القانون.