بعض القراء والزملاء في المهنة يشمون رائحة الحسابات الخاصة فيما أكتبه من نقد بخصوص وزارة الإعلام سواء في عهد ڤرين أو في عهد غيره.. لكن أنا ليست لي أي مشاكل وحسابات شخصية أو حتى مهنية مع الوزير ڤرين ولا حتى مع من سبقه في الوزارة أو الذي سيأتي بعده. مشكلتي الحقيقية هي سوء تسيير القطاع وانتشار الفساد فيه، واستخدام حجة السلطة في تنمية هذا الفساد وتوسعه في القطاعين العام والخاص على السواء. كنا نأمل من الوزير الجديد، وهو القادم من قلب القطاع، أن يكرس وقته ويوجه عنايته إلى تحرير القطاع العام من هيمنة الرداءة وسوء التسيير وتحرير طاقات هذا القطاع ودفعه نحو المهنية خدمة للسلطة أولا وخدمة للشعب وقطاع الإعلام ثانيا. كنا ننتظر منه إصدار قوانين أساسية تسير بموجبها مؤسسات القطاع العام وفق الأعراف المهنية وإنهاء حالات تسيير هذه المؤسسات بواسطة الهاتف والفاكس من طرف جهات أمنية أو إدارية بائسة. نحن لا نريد من الوزير أن يكتشف العالم في هذا المجال، فهناك تجارب تمت في دول تحولت فيها مؤسسات حكومية للإعلام إلى مؤسسات عمومية، حدث هذا في بريطانيا قبل قرن تقريبا مع (B.B.C) وحدث هذا أيضا في فرنسا حين تحولت (O.R.T.F) التي أوجدها ديغول في الخمسينيات والستينيات إلى مؤسسات عمومية وليس حكومية، مع الإصلاحات التي أحدثتها فرنسا في السبعينيات. وأنهت حالة تسيير الحكومة للإعلام العمومي، ببعث صيغة المجلس الأعلى للسمعي البصري الفرنسي. كان هذا أملنا في تحرك الوزير ڤرين على صعيد القطاع العام، أما تحركه على صعيد القطاع الخاص فكنا نأمل أن نتجه عنايته إلى إنهاء حالة الفوضى في قطاع الإشهار وليس استخدام هذا الملف لإنهاء ما تبقى من مهنية الجرائد الخاصة التي أنجزت الحد الأدنى من المهنية في عملها. كنا نتمنى لو اتجهت عناية الوزير إلى إنهاء حالة الفوضى في السمعي البصري الخاص التي تتم خارج القانون وعبر صيغ الترابندو الإعلامي في ظاهرة فريدة من نوعها في العالم، تحولت فيها أغلب المؤسسات السمعية البصرية الوليدة إلى مؤسسات تمارس غسيل الأموال الفاسدة أكثر مما تمارس الإعلام.. مؤسسات “ديڤريساج” للمال الفاسد الذي يهربه أبناء المسؤولين ونساؤهم وغسيله كما يجب عبر مؤسسات للسمعي البصري لا علاقة لها بأهل المهنة وارتباطها بالمال الفاسد الوطني والأجنبي لا يحتاج إلى كبير عناء لكشفه. نحن لم نقل إن الوزير متورط مع هؤلاء بل نقول: إنه لا يملك الشجاعة الكافية لمواجهة هذا الأخطبوط الذي أصبح يهدد المهنة في أسسها. لو فعل الوزير هذا لوجد المهنيين الشرفاء في صفه بالمئات سواء من القطاع العام أو الخاص.. وأعتقد أن هذا هو أمل الخيرين في القطاع وفي الحكم أيضا. والأمر يحتاج فقط إلى وزير شجاع يتخذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.. وأعتقد أن الوقت الآن يبدو مناسبا لأخذ مثل هذه الخطوات المهمة للارتقاء بالقطاع إلى المهنية المطلوبة.