يحذّر المحلل السياسي، الدكتور أحمد عظيمي في هذا الحوار ب»صوت الأحرار« من اختراق من وصفهم ب »أصحاب المال الفاسد« مجال السمعي البصري، وقال إن حينها ستكون الطامة الكبرى لأنهم سيستعملون هذه الوسيلة لإفساد البلاد والعباد، وشدّد عظيمي على ضرورة أن تكون هناك ضوابط وآليات قانونية لتنظيم هذا القطاع الحساس وأن لا يكون فتحه بشكل فوضي من خلال السماح لكل من أراد الاستثمار فيه إنشاء قناة تلفزيونية أو إذاعية، مطالبا بتحديد خطوط حمراء يمنع الاقتراب منها وهي على الخصوص: الوحدة الوطنية والدين واللغة. *حسمت السلطة خيارها أخيرا بالذهاب نحو تحرير قطاع السمعي البصري، لكن النقاش الآن يدور حول شكل وآليات هذا الانفتاح؛ ما هو في تقديركم شكل النموذج الذي ستذهب إليه السلطة - على الأقل في المدى المنظور- في إدارتها لهذا القطاع الحيوي والحساس.؟ ** أسجل هنا أنني وعلى مدى 6 سنوات الماضية ناديت بضرورة فتح قطاع السمعي البصري، لأن تأخرنا في فتحه عرّض الرأي العام الجزائري للتضليل في قضايا وطنية ودولية. لكن المطالبة بفتح السمعي البصري للخواص لا يعني أن يكون فتحه فوضويا بالسماح لمن هبّ ودب بإنشاء قنوات إذاعية أو تلفزيونية ليقول أو يعرض فيها ما يشاء، وعليه ومثلما سبق وأن أكدت عليه في أكثر من مناسبة لابد من وضع آليات قانونية واضحة لتنظيم وضبط القطاع، ولا يمكن أن نسمح لغير الإعلاميين بإنشاء أو تسيير هذه القنوات الإعلامية الخاصة، كما يجب التأكد من مصدر أموال الجهات التي ترغب في الاستثمار في هذا المجال الحساس، يجب أن يكون المصدر نظيف أولا وأن لا تكون من ضمن المتهربين من دفع الضرائب. وفيما بعد تتولى الهيئة التي أعلن عن إنشائها وهي هيئة ضبط السمعي البصري مراقبة ومتابعة لهذه القنوات، وأشير هنا إلى أنه من الضروري أن يكون أعضاء هذه الهيئة من المختصين في المجال وأن يكونوا معروفين على المستوى الوطني بالكفاءة وبنظافة اليد وعدم انتمائهم لأي تيار سياسي، كما يجب أن تمنح لها الصلاحيات اللازمة حتى تمارس مهامها فيما يسمح به القانون دون أن تتحول إلى وسيلة رقابة على محتويات هذه القنوات أو أن تتحول مهمتها إلى الإقصاء أو الإبعاد لهذا أو ذاك، بينما الأجدى هو تحديد خطوط حمراء يمنع الاقتراب منها وما دون ذلك مسموح، ومن هذه الخطوط الحمراء أو المقدسات التي لا تمس تحت أي ظرف كان هي الوحدة الوطنية والدين واللغة. * من الصيغ الجاري الحديث عنها لفتح السمعي البصري في الجزائر هي صيغة 51 بالمائة للدولة، هل هي صيغة مجدية؟ ** هذا الأجراء لجأت إليه جمهورية مصر في فتحها للقطاع السمعي البصري وأثبت محدوديته وعدم جدواه، من وجهة نظري هو إجراء غير سليم لأن دخول الدولة كشريك في المؤسسات الاقتصادية أو الإعلامية في العالم العربي إجراء في غير محله لأن في هذه الدول وبكل بساطة لا تزال لا تفرّق بين السلطة والدولة، ومعنى ذلك في حال الذهاب لهكذا اجراء هو أن تعود 51 بالمائة للسلطة، ونحن نشاهد ونلمس يوميا الفشل في تسيير القناة الوطنية فمن غير المعقول القبول بتكرار تجارب الفشل. وهو ما يقودني للقول إن اجراء 51 بالمائة للدولة ليس هو المطلوب والمنتظر لأنه سيتحول إلى مجرد تلاعب، وأنه لابد من فتح كامل للقطاع، ورأيي أن القطاع الخاص الجزائري في النهاية هو جزائري ولا يمكن أن ندعي أن هناك من هو أكثر جزائرية من غيره، ويمكن وضع آليات لمعاقبة ومنع أي تطرف في هذه القنوات الخاصة أو المس بمقدسات الدولة. * بمجرد صدور بيان مجلس الوزراء الأخير أبدت عدة مؤسسات وأشخاص رغبتها في الاستثمار في هذا القطاع، كيف تنظرون لمثل هذه الخطوات السريعة؛ هل هو اختبار لنوايا السلطة أم رفع لسقف المطالب في هذا الملف؟ ** جميل جدا أن الأطراف الأولى التي بادرت بالإعلان عن رغبة الاستثمار في السمعي البصري وإنشاء قنوات خاصة هي من أصحاب المهنة، لأن ما نخشاه هو أن يفتح المجال بصفة أو بأخرى أمام المال الفاسد أو الذين ليست لهم دراية بأهمية الصوت والصورة. * وهذا يقودنا إلى القول إن هناك تحفظ استراتيجي يتعلق بخطورة تزاوج وتحالف رأس المال المحتكر لوسائل الإعلام الثقيلة مع السياسيين وبالتالي احتكار وغلق الحياة السياسية وإفسادها؛ ما مدى جدية مثل هذه التحفظات ؟ ** لا بد أن نشير إلى أن معظم المال المكدس لدى البعض هو مال غير شريف، وأقول أغلب المال وليس كله، جمعه أصحابه بطريقة غير شريفة وغير قانونية بعد التحايل على مصالح الضرائب وعلى الدولة وعلى القانون، وبعد جمع هذه الأموال أصبحوا يستعملونها في الحصول على المناصب والمكاسب السياسية، وهذا لا يخدم الدولة العصرية التي يطمح لها المواطن الجزائري، وهي دولة العدالة والقانون والديمقراطية، وإذا سمحنا لهؤلاء ومعظمهم فاسدين باختراق مجال السمعي البصري ستكون الطامة الكبرى لأنهم سيستعملون هذه الوسيلة لإفساد البلاد والعباد. إذا لم تكن هناك ضوابط قانونية ورجال أكفاء ومهنيين وصادقين يشرفون على فتح السمعي البصري ويمنحون الاعتماد لأهله ولمن يستحقه، فإن المال الفاسد سيتغلغل إلى القطاع وستكون هناك قنوات تستعمل لتضليل الرأي العام ولا تخدم المواطن، ولعلّ التجربة المصرية أيضا تستحق الدراسة هنا، فأغلب من استثمر في المجال هم من رجال الأعمال التي تدور الشكوك حول مصدرها وحتى محتويات هذه القنوات التي تعود لأصحاب الأموال هناك ما يقال حولها. *هناك إشارة ذات دلالة وهي أنه بمجرد إعلان السلطات نيتها عن فتح قطاع الإعلام الثقيل حتى تهافتت العروض والمشاريع الاستثمارية من قبل مؤسسات ورجال أعمال ، في حين أن الصحافة المكتوبة ومنذ سنوات في لم تكن قطاعا جاذبا للاستثمار، ما هو السبب في تقديركم؟ ** لظروف معينة نشأة الصحافة الخاصة المكتوبة كانت مختلفة فقد تدخلت الدولة بمساعدة صحفيين لإنشاء صحف خاصة وهذه المساعدة من الدولة حالت دون تأثير لوبيات المال على وسائل الإعلام المكتوبة، وحاليا هناك ما يقارب 5 صحف تابعة لبعض رجال المال ، لكن بالنسبة للسمعي البصري، الأمر مختلف، وإنشاء قناة تلفزيونية يتطلب الكثير من الأموال، وإذا غابت الدولة عن تنظيم هذا القطاع فإن لوبيات معينة واتجاهات معينة ستسيطر عليه وتحوله لخدمة مصالحها والترويج لمناهج اجتماعية وسياسية غير سليمة. وأكثر من هذا لا بد من الإشارة هنا إلى أن تأثير التلفزيون يختلف تماما عن تأثير الصحافة المكتوبة، فهو يدخل لكل بيت ولا يتطلب من المشاهد أن يكون يحسن القراءة أو الكتابة ليتابع ما تبثه القناة التلفزيونية. وإذا كنا لا نستطيع منع أصحاب الأموال غير النظيفة من دخول هذا القطاع الحيوي والحساس بنصوص قانونية، على الأقل يجب وضع بنود تفرض عليهم أن يكون مدير القناة ومسيرها ورؤساء التحرير من أهل المهنة، لنجنب سيطرة المال على القطاع. *هناك حديث عن إمكانية دخول بعض الأحزاب أو شخصيات مقربة من أحزاب سياسية في الجزائر سوق الاستثمار في السمعي البصري ؛ هل هذه ظاهرة صحية من الناحية الإعلامية والسياسية وهل بإمكان هذه الفضائيات الحزبية أو شبه الحزبية إن تشكلت أن تؤثر على الحياة السياسية وتحديدا الاستحقاقات الانتخابية ؟ ** منطقيا من حق أي حزب معتمد أن ينشئ ما شاء من وسائل الإعلام لكن بشرط أن تحترم القانون وأخلاقيات المهنة، ولا أرى أي سوء في ذلك أو أي شيء سلبي لأن الخوف أو الضرر يأتي من غير المهنيين والدخلاء على القطاع. وبالنسبة لتأثيرها في الاستحقاقات الانتخابية فإنه يبقى مرتبط بنوعية المادة الإعلامية، بل العكس بوجود قنوات إعلامية تابعة للأحزاب السياسية المتنافسة سيكون هناك تنوع حقيقي وستكون الفرصة أفضل بالنسبة للناخب للاختيار، والانتخابات المقبلة إن جرت بشفافية سينتج عنها برلمان تعددي حقيقي. * يكاد يكون المشاهد الجزائر منقسم بين بعض القنوات الغربية وبعض القنوات العربية ؛ هل تعتقد الفضائيات الجزائرية الموعودة بإمكانها المنافسة واستقطاب جزء من هذا الجمهور واستعادته ؟ ** بفتح السمعي البصري سيحدث للقنوات الأجنبية سواء كانت عربية أو غربية ما حدث للصحافة المكتوبة الأجنبية في الجزائر نهاية بداية التسعينات بعد إنشاء الصحافة الخاصة، ومؤكد جدا أن الجزائريين سيختارون القنوات الخاصة الجزائرية، لأن المعروف أن الإنسان في كل دول العالم يهتم ويختار ما هو أقرب إليه. وإذا كان المشاهد الجزائري اليوم يتابع بشكل غريب القنوات الأجنبية فلسبب بسيط وهو غياب البديل المحلي، ومرة أخرى أقول وأنا متأكد من ذلك أن القنوات الخاصة الجزائرية ستعيد الجزائريين إلى بيتهم الجزائري.