لماذا إذن تفشل المعارضة حيث يجب أن تنجح؟ وتراوح مكانها كجندي معاقب حيث يفترض أنها تخطو خارج النفق؟ منذ الاجتماع الشهير بزرالدة في سبتمبر الماضي، أظهرت المعارضة بعض الخداع الذي تتحلى به، وكشفت أن الموقع الذي يليق بها هو الإبقاء على الحد الأدنى للخيبة، وبالتالي شد العصا من الوسط، وانتظار قيام العناية الإلهية بما لم يقم به الرجال!. كان الشحوب واضحا على الصورة التذكارية. فمن جهة أحزاب قفزت إلى موقع المعارضة بعد أن ركلها النظام من موقع الموالاة، وشخصيات أسمت نفسها شخصيات وطنية استغنى النظام عن خدماتها بعد نهاية الصلاحية.. وبين هؤلاء وأولئك بعض السذج وبعض ذوي النوايا الحسنة، وكما تعرفون النوايا الحسنة في السياسة ترصف طريق الجحي... على هذه الخلفية رسّم “النظام الخبيث” سياسته التي لخصها بعد ثلاثة أشهر فيما سمي “مبادرة الأفافاس”، والتي خلصت إلى القول أنه لابد من تواطؤ مع النظام لجره إلى التنازل، وهو هنا القبول بتقاسم الريع!؟ وبالطبع لم يشرفهم هذا النظام بمجرد القبول بالجلوس معهم إلى مائدة المفاوضات حتى ولو من أجل شرب قهوة معهم! ولأن المبادرة في حد ذاتها أظهرت شكليا على الأقل أنها مبنية على “النوايا الحسنة” من أجل الخروج من النفق، فقد رصفت طريق الجحيم، وهو هنا إطفاء الأمل البسيط الذي شعّ من لقاء زرالدة... هكذا توزع دم المعارضة بين قوى الانتفاع، وسيل من “المبادرات” صبّت كلها خارج “الطاس” (لأن الطاس مقلوب على فمه!) وهو بالضبط ما يجعل هذا النظام يطيل عمره الافتراضي، رغم الفشل والفساد وعدم الشرعية وعدم رضا شعبه عليه.. من هذه الناحية الخلل ليس في النظام وإنما في المعارضة (غير الحاسمة) التي لا تزال تستعمل أفكارا منتهية الصلاحية لمحاججة النظام لتغيير نفسه، ومن بين هذه الأفكار الاعتماد على العسكر لحماية “التغيير” المنتظر، بينما العسكر منذ عقود طويلة منحاز لاستقرار واستمرارية النظام حتى ولو وصل بالجزائر إلى ما وصلت إليه حاليا، أي دخول النفق المظلم دون بصيص أم... لقد قلنا دائما إن أفضل معارض للنظام هو الشعب، وما دام الشعب مستقيلا من الفعل السياسي فلا يمكن لأي تغيير أن يحدث.. ذاك ما خلصنا له في اجتماع زرالدة، وقد أثبتت الأيام صحته.. ولكن المعارضة بدل الاستثمار في النجاح القليل الذي خرجت به، إعلاميا على الأقل، من ذلك “اللقاء التاريخي” واللجوء إلى الشارع، فضلت البقاء في المعارضة على ورق الجرائد، والاكتفاء بالعارضة الفنية على المنافسة في الملعب، وهو ما جعلها تراوح مكانها كجندي معاقب من طرف “كابران” الثكنة.