أول اتصال عابر مع هذا الثلاثي كان ذات ليلة مقمرة في 13 أوت 2007.. ليلتها قاطعت سهرة زفاف صديقي الشاعر رضا ديداني في قرية عين علام بالذرعان، واتجهت رأسا في سيارة “فرود” إلى شاطئ البطاح حيث كانت تنتظرني رحلة للحراڤة وعلى متنها 6 شبان جامعيين. أختير للرحلة لها لافتة حملت شعار “تحت الرعاية السامية لفخامته”، تفاصيلها نشرت وقتذاك بيومية “الخبر”، وكان ثلاثتهم (مراد وياسين وعمر) على الشاطئ الرملي مودّعين للحراڤة ومركبهم الذي أتقنوا ترميمه وصيانته لمواجهة أي طارئ بحري. بعد محاولات متكررة، وعلى مدى سنتين، فشلت مساعينا الحثيثة في إقناعهم للحديث عن مغامراتهم مع رحلات الموت.. تمكنا أخيرا، بفضل وساطة من محيط نشاطهم، من اللقاء معهم، فحصل الموعد في ورشة جمعت بين نفايات تشحيم وتطبيب هياكل القوارب وتفكيك وتركيب محركاتها وتجهيزاتها، وهذا في غياب “البارون” الممون، الذي قيل لنا بأنه في رحلة استجمام بتونس تدوم أياما قبل موعد انطلاق الرحلة القادمة التي مازالت تحضيراتها منكبّة على تجميع فئة الحراڤة وتسجيلاتهم والبحث عن قارب يصلح لعملية الترميم والصيانة. تأكد مستقبلونا واطمأنوا بأننا لا نحمل معنا إلا قلما و«بلوك نوت” (كناش صغير) بعد عملية تفتيش بتلمس أطراف جسمنا الهرم النحيف.. وقتها قدّموا لنا كوب شاي، أثار تخوفاتنا في بداية الأمر، ثم ما لبثنا أن ارتشفناه على قناعة “اللي ما يقتلش يسمن”، حسب إصرار وسيطنا الذي كان متحمسا لهذا الموعد، وحاول إدارة توجيه الدردشة، حسب أجندة خاصة به، فأوقفه عمر وقال له بلهجة حادة “انتهى دورك بالوساطة”، ودخلا في مناوشة كلامية كادت أن تنسف اللقاء، لولا تدخل ياسين الذي حسم الأمر بجملة كشفت بأنه مثقف ومطّلع على أسرار مهنة الصحافة، فقال مترجيا “دعوا حرية التعبير ل«الخبر”، فقد وثقنا في لقائها هذا”، وعندها أحسسنا بنزلة برد سقطت على صدورنا أزالت الخوف الذي انتابنا من وراء المناوشة الكلامية الحادة بين عمر والوسيط المدعو صالح بو الركايب نسبة إلى أطرافه المفتولة التي تقوى على حمل الأثقال. من جهتنا، وردا للجميل أطلقنا العنان ل”عمر”، صاحب ال39 سنة، أعزب، صحيفة سوابقه العدلية عذراء، تقني في اختصاص “هيدرو ميكانيك”، ليس بشهادة تخرج، وإنما ببيان عمل من شركة بحرية حلت سنوات انهيار الشركات الوطنية وإفلاسها خلال العشرية الأمنية. سرد عمر ليكشف عن غصة بداخله، حيث راح يروي لنا بأنه وشريكيه، ياسين ومراد، وقبل 14 سنة، حملوا ملفهم إلى وكالة “أونساج” بالطارف قصد خلق مؤسسة مصغرة لترميم وصيانة قوارب الصيد الصغيرة، غير أنهم اصطدموا بجدار البيروقراطية، ورفضت الوكالة طلبهم لسببين: الأول عدم حيازتهم لشهادات تخرج من مراكز التكوين المهني في الاختصاص المطلوب، والثاني عجزهم عن توفير مبلغ المساهمة الشخصية 20 بالمائة من قيمة المشروع، التي كانت شرطا أساسيا ضمن هذا البرنامج الداعم للشباب. هنا يتنهد عمر من العمق، ويضيف: “كان برنامج “أونساج” موجها في تلك الفترة لأبناء الأثرياء الذين باستطاعتهم دفع المبلغ المشروط، بينما يوجّه البطالون الفقراء إلى برنامج الشبكة الاجتماعية مقابل 3 آلاف دينار شهريا”. في حين حاول شركاء عمر التدخل ومقاطعة الحديث، طالبهم بالتداول المنظم للكلام، وقال لهم “دعوني أكمل، واللّه يلعنني إذا قاطعتكم”، فواصل ليكشف بأن فرص “الحرڤة” نحو الضفة الأوروبية كانت خلال عشرية التسعينيات عبر التسلل للبواخر التجارية بميناء عنابة، وجلّها فاشلة بنسبة 90 بالمائة مع مخاطرها المحكوم عليها بالإعدام عرض أعالي البحار، حيث يرمى “الحراڤ” حيّا في البحر من قِبل ربان البواخر الأجنبية وحراسها، وقتذاك كان مغامرو “الحرڤة” بتلك الطريقة يعدّون على أصابع اليد.. ودخل بنا حديث عمر إلى بداية العشرية الأولى للألفية الثانية، ويركز “بعد استتباب الأمن” و«بروز البحبوحة المالية”، وهي الأوضاع التي كانت مشجعة على تلبية رغبة الشباب في الاستقرار، لكنها انحرفت إلى الفساد، حسب تفسير عمر. وقتها كانت الحاجة إلى طريقة ل”الحرڤة” الجماعية بأقل المخاطر، فتولدت فكرة رحلات الموت بالقوارب الصغيرة تحت شعار “في البحر نموت، وياكلني الحوت خير من مواطن في بلادو بلا كرامة ولا صوت”. ويعترف عمر “وقتها كان ثلاثتنا على استعداد تام لخلق مؤسسة خارج القانون لترميم وصيانة قوارب الصيد الصغيرة ولا يهمنا ما الغرض منها أو نشاطها أو وجهتها أو نية أصحابها بقدر ما يهمنا المدخول المادي الذي يحفظ رزق معيشتنا”، ونسأله: “تريد أن تبرر مسؤوليتكم من قوافل الموت؟”، فيؤكد تبريره ويضيف “من خططوا ووضعوا ونفذوا برامج الفساد يتحملون مسؤولية آلاف من هلكوا في البحر وأكلهم الحوت”. أما ياسين، ذو 36 سنة، هو الآخر أعزب ونظيف السوابق العدلية، فكان ينتظر دوره في الحديث، وفي جعبته سؤال طرحه علينا فقال “من تناقضات البلاد أن الجميع في هذا الوطن تحمّل جراح العشرية الأمنية بنيرانها وجرائمها وآلامها وجراحها وهواجسها وفقرها ولم تكن فئة الشباب البطال تفكر في الرحيل نحو المجهول”، ويواصل “ولما فرجت أمنيا بعد سنة ألفين وفاضت ماليا إلى حد التخمة أضحت “الحرڤة” نحو الضفة الإيطالية حلم الجميع، بعدما حملت مؤشرات الريع المالي بأن مرحلة الفساد بدأت تنخر البلد ولا أمل في النصيب من الثروة وحق المواطنة”. وفي غمرة هذه الدردشة فضّل مراد الصمت ليتابع حديث شريكيه دون مقاطعة، يحرق انفعالات ما بداخله برسومات على سطح كومة رمل بعود قصب يحركه يمينا وشمالا، وكأنه مؤشر قياس الزلازل رماه جانبا واستدرك قائلا: “أعددنا في ظرف 8 سنوات 21 قاربا كانت هياكل من خراب سعة الواحد 15 نفرا، منها 14 وصلت بركابها إلى الضفة الإيطالية و5 قوارب أوقفت بعرض البحر، ولم تتحطم منها سوى قاربين بفعل الزيادة في عدد الأفراد”، ويتأفف محدثنا: “..واحسرتاه على بيروقراطية إدارة وكالة “أونساج”.. قالوا لنا ملفاتكم تنقصها شهادات التأهيل، وتنتمون لفئة الفقراء الذين لا يملكون نسبة المساهمة الشخصية 10 بالمائة من قيمة المشروع”، ويختم قوله: “وكأن بداية مرحلة الفساد تدفع الجميع للفساد، بل وإلى مرحلة جديدة للموت بعد عشرات آلاف الأموات في العشرية الأمنية”. دعوت وسيطنا المدعو صالح بو الركايب ليوضح لنا دوره في هذه الشراكة، فأردف مختصرا “مهمتي “التكركير” بمعنى البحث عن القوارب القديمة غير المستعملة، شرائها وجرها من مواقعها إلى ورشة الثلاثي (عمر وياسين ومراد)، وبعد تسليمها إلى من يشتريها جاهزة، تأتي مهمة محو آثار ومخلفات الورشة، لتعود وكأنها مكان مهجور حسب أصلها السابق، هيكل لمزرعة قديمة في حالة إهمال، إلى جانب تقفي حركة المراقبة من أي طارئ أو خطر قد يداهم الورشة وهي شغّالة”. ورفع صالح “بو الركايب” في وجهي شاهد أصبع يده اليمنى مهددا “هنا نقطة نهاية، ما اتفقنا عليه في هذه الوساطة”، وأضاف إذا “أردت مقابلة مع بارونات الحراڤة فذاك لا يعنينا ويبدو من المستحيلات السبعة، ومن المخاطر التي تجرك إلى مشاكل قد تدفع ثمنها غاليا”، وختم قائلا وموصيا “لا تحاول”. طويت “البلوك نوت” وتظاهرت بوضعه في الجيب وكسرت قلمي على أساس أنه جف من حبره ورميته في مستنقع مائي قريب، ورحت أتحدث متخيلا سيناريو تجميع الحراڤة وتنظيم انطلاق رحلاتهم من مواقع افتراضية. وضمن هذا المسلسل أتلقى التصحيح في المسار والمكان والزمان والترتيب والتنظيم وتوافد “الحراڤة” المسجلين في الموعد المحدد، مع تلقي مسامعنا أسماء مستعارة، لم أتمكن من حفظها ولا داعي لذكرها، طالما أن هذا الجزء الإضافي من اللقاء غير مبرمج للتداول في هذا المقام حسب اتفاقنا مع الوسيط “صالح بو الركايب”. وحاولنا تحسس مفهوم ثلاثتهم ورابعهم “بو الركايب” في مسؤوليتهم عن عشرات القتلى من الحراڤة عرض البحر على المراكب التي قاموا بترميمها وصيانتها وتجهيزها لفائدة الغير، فناب عليهم عمر بفلسفته المبسطة قائلا: “نحن ضحية وضع فاسد كالقشة جرفنا سيل الفساد إلى وجهة بحر فساد النظام”، وأضاف “هل للنظام القائم وسلطاته الحاكمة أن تفسر لنا كيف تمسك الشباب البطال في سنوات الجمر بأمل انفراج الأزمة الأمنية ولم يكن يفكر في الحرڤة، وعندما استتب الأمن وفاضت البحبوحة المالية من خيرات الجزائر على الجزائر هرع الجميع للحرڤة رغم مخاطرها”. طريق الموت شواطئ بلدية الشط بأقصى غرب سواحل الطارف، وبمحاذاتها شواطئ حي سيدي سالم بأقصى شرق سواحل عنابة على حزام ساحلي يقدر طوله بنحو 20 كلم، هي موطن مرافئ إقلاع رحلات الموت نحو سواحل إيطاليا، وذلك ما أكدته عمليات مصالح حراس السواحل في توقيفها وإنقاذها لمثل هذه الرحلات بسواحل منطقة راس الحمراء بعنابة، وراس روزا بالقالة. وحسب العمليات البحرية ذاتها، فإن فترات انطلاق الرحلات متباعدة بين 20 يوما إلى الشهر إلى 45 يوما، وأحيانا تكون رحلة لزورق واحد، وأحيانا أخرى تكون رحلتين إلى 3 رحلات في أسبوع واحد. وتكون فترة الهدنة ما بين شهر إلى 45 يوما على علاقة بتحضير الزورق وترميمه وإصلاحه وتزويده بالمحرك المطلوب، تزامنا أيضا مع تسجيلات الراغبين في الحرڤة من عنابة والطارف والقادمين من الولايات المجاورة واستكمال دفوعات المبالغ المالية لاكتمال المبلغ النهائي المطلوب في حدود 10 إلى 12 مليون سنتيم، وهو الذي كان لا يتجاوز من 4 إلى 6 مليون سنتيم في السنتين الأولين من ظهور رحلات الحرڤة، ويبقى بين هؤلاء وبين بارون الرحلة رقم هاتفي لتحديد موعد الانطلاق بعد استيفاء المبلغ المالي الكامل.
مراصد لمصالح حراس الشواطئ على الشط وسيدي سالم الدرك الوطني يكتشف مواقع تخزين وقود “مراكب الموت” أكد مسؤول عملياتي لحراس السواحل، ل”الخبر”، بأن مراصد مصالحه مركّزة أساسا على الشريط الساحلي المشترك الذي يمتد بين بلدية الشط بأقصى غرب ولاية الطارف مع جوارها حي سيدي سالم بأقصى الشرق الساحلي لولاية عنابة، حيث يتداول الحراڤة على الانطلاق من مرافئ بهذا الجزء الساحلي الذي تحوّل، حسب تصريحات الحراڤة الموقوفين في الكثير من العمليات الإنقاذية عرض البحر، إلى منطقة لتجميع الحراڤة من مختلف ولايات الشرق. ويضيف المسؤول العملياتي بأن الخط البحري لمراكب الموت على وجهتين: الأول على خط مائل شرقا ناحية قمة روزا بالقالة، والثاني على خط مائل غربا ناحية قمة رأس الحمراء بعنابة، وكلها انطلقت إما من شواطئ بلدية الشط بالطارف أو شواطئ سيدي سالم بولاية عنابة. عثرت مصالح الدرك الوطني، وفي عملياتها الميدانية لتمشيط السواحل الغابية على براميل ودلاء الوقود مخبأة بإحكام في الغابات الساحلية بمنطقة البطاح ببلدية بن مهيدي وسواحل الدراوش ببلدية بريحان وأحراش غابات سواحل بلدية الشط، كما حجزت قوارب مشبوهة الاستعمال مركونة بأدغال النباتات المائية لوادي مفرغ الذي يصب في شاطئ البطاح، بينما نفت المصالح ذاتها تبليغها أو عثورها على مواقع ترميم وتصليح وصيانة المراكب الصيدية الصغيرة بهذه المناطق، رغم تفتيشاتها ومسحها الميداني للمنطقة.طريق الموت شواطئ بلدية الشط بأقصى غرب سواحل الطارف، وبمحاذاتها شواطئ حي سيدي سالم بأقصى شرق سواحل عنابة على حزام ساحلي يقدر طوله بنحو 20 كلم، هي موطن مرافئ إقلاع رحلات الموت نحو سواحل إيطاليا، وذلك ما أكدته عمليات مصالح حراس السواحل في توقيفها وإنقاذها لمثل هذه الرحلات بسواحل منطقة راس الحمراء بعنابة، وراس روزا بالقالة. وحسب العمليات البحرية ذاتها، فإن فترات انطلاق الرحلات متباعدة بين 20 يوما إلى الشهر إلى 45 يوما، وأحيانا تكون رحلة لزورق واحد، وأحيانا أخرى تكون رحلتين إلى 3 رحلات في أسبوع واحد. وتكون فترة الهدنة ما بين شهر إلى 45 يوما على علاقة بتحضير الزورق وترميمه وإصلاحه وتزويده بالمحرك المطلوب، تزامنا أيضا مع تسجيلات الراغبين في الحرڤة من عنابة والطارف والقادمين من الولايات المجاورة واستكمال دفوعات المبالغ المالية لاكتمال المبلغ النهائي المطلوب في حدود 10 إلى 12 مليون سنتيم، وهو الذي كان لا يتجاوز من 4 إلى 6 مليون سنتيم في السنتين الأولين من ظهور رحلات الحرڤة، ويبقى بين هؤلاء وبين بارون الرحلة رقم هاتفي لتحديد موعد الانطلاق بعد استيفاء المبلغ المالي الكامل.