جعل اللّه سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين في أيّام الحجّ فضلاً عظيمًا يدركونه، يُشابهون به أهل الموقف العظيم ليُشاركوهم الأجر، ويُضاهوهم في العمل، ويساووهم في الثّواب، ليعوّضهم اللّه تعالى عمّا يجدونه في قلوبهم من ألمِ وحسرةِ عدم إدراكهم الحجّ، وهذا باجتهادهم في الأعمال الصّالحة عامةً في عشر ذي الحجة، فضلاً عن أعمال صالحة أخرى يعدل ثوابها ثواب شعيرة الحجّ. قال الحافظ ابن رجب رحمه اللّه: “لمّا كان اللّه سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كلّ أحد قادرًا على مشاهدته في كلّ عام، فرض على المستطيع الحجّ مرّة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السّائرين والقاعدين، فمَن عجز عن الحجّ في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته” (لطائف المعارف، ص379). وعلى الرغم من أنّ أقوامًا كُثُرًا في أرجاء المعمورة قد حبسهم العُذْر عن تحقيق أمنيتهم في أداء الركن الخامس من أركان الإسلام “حجّة الإسلام”، إلاّ اللّه عزّ وجلّ وهو أعدل العادلين وأحكم الحاكمين، لم يتركهم، شرع لهم أعمالاً صالحة أخرى يعدل ثوابها ثواب شعيرة الحجّ، ومن هذا الأعمال: - نيَّة الْحجّ والعُمرة: نيَّة خالصة صادقة للّه تعالى. فالمسلم عندما ينوي الحجَّ بنيَّة صادقة خالصة، ولم يذهبْ بعُذْرٍ، فإنَّ اللّه تعالى يكتب له أجْرَ الحَج. فهذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عندما رجَعَ من غزوة تبوك، ودنا من المدينة، قال: “إنَّ بالمدينة لرجالاً ما سِرْتُم مَسِيرًا، ولا قطعْتُم وادِيًا إلاَّ كانوا معكم؛ حَبَسَهُم المَرَضُ”. وفي رواية: “حَبَسَهم العُذْرُ”. وفي رواية: “إلاَّ شَارَكُوكم في الأجْرِ” رواه البخاري من رواية أنس، ورواه مسلم من رواية جابر، واللفظ له. - المحافظة على صلاة الفجر في جماعة: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “مَن صلّى الفجر في جماعة ثُمَّ جلَس يذكُر اللّه عزّ وجلّ حتّى تطلُع الشّمسُ، ثمّ قامَ فصلّى ركعتين، كُتب له أجْرُ حَجَّة وعُمرة تامَّة، تامَّة، تامَّة” أخرجه الترمذي عن أبي أُمامة رضي اللّه عنه. - حضور مجالس العِلم في المسجد: عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “مَن غدا إلى المسجد لا يريد إلاَّ أن يتعلَّم خيرًا أو يعلّمه، كان كأجْرِ حاجٍّ تامًّا حَجَّته” أخرج الطبراني والحاكم عن أبي أُمامة رضي اللّه عنه. - أداء الصّلاة المكتوبة في المسجد: قال النّبيّ صلَّى اللّه عليه وسلَّم: “مَن مَشَى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحَجَّة، ومَن مشى إلى صلاة تطوُّع- أي صلاة الضُّحى- فهي كعُمرة نافلة” أخرجه أحمد بسندٍ حسن عن أبي أُمامة رضي اللّه عنه. - عُمرة في رمضان: إنْ عجزتَ عن الذهاب إلى الحجّ، فاجتهدْ أن تعتمرَ في رمضان؛ فإنَّ هذا فيه ما فيه من الأجر؛ فهو يَعدِل حَجَّة مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقد أخرج البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عن عبد اللّه بن عباس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لامرأةٍ من الأنصار يقال لها: أُمُّ سِنَانٍ: “ما مَنَعَكِ أن تكوني حَجَجْتِ مَعَنا؟”، قالتْ: نَاضِحَان كانا لأَبِي فلانٍ- زوجِها- حَجَّ هو وابْنُه على أحدِهما، وكان الآخر يَسْقِي عليه غُلامُنا، قال: “فعُمْرةٌ في رمضانَ تَقْضِي حَجَّةً، أو حَجَّةً معي”. - برُّ الوالدين: أخرَجَ أبو يَعْلى بسند جيِّدٍ أنَّ رجلاً جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: إنِّي أشتهي الجهادَ ولا أقدر عليه، قال: “هل بَقِي مِن والديك أحدٌ؟”، قال: أُمِّي، قال: “فأبل اللّه في برِّها، فإذا فعلتَ فأنتَ حاجٌّ ومُعْتَمِر ومُجاهد”.