إن للعمل الصالح مكانة كبيرة وعظيمة جدا في الإسلام، لأنه ثمرة من ثمار الإيمان وربطهُ الله عز وجل بالفوز والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأن تركه هو خسارة كبيرة كما قال الله تعالى في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ * إِن الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَق وَتَوَاصَوْا بِالصبْرِ}. وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِك بِعِبَادَةِ رَبهِ أَحَدًا}. حثّ القرآن الكريم في كثير من سوره وآياته على العمل الصالح المقرون بالإيمان بالله تعالى والخالص لوجهه الكريم سبحانه، لأن العمل الصالح هو العمل المرضي عند الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ. فقيل: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يا رسول الله؟ قال: يُوَفقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ”. إن من توفيق الله لعبده أنه يرشده إلى القيام بأعمال صالحة قبل الموت. ولا يكتفي المؤمن بعمل ما يوافق مصلحته بل يتعدى ذلك إلى القيام بما يعود بالنفع على الآخرين، ولذلك فهو يكون دائم الحركة وسباقًا لفعل الخير. فبالعمل الصالح تنزل الرحمة وتأتي البركة ويستجاب الدعاءُ ويحصل الأمن والأمان، وبالعمل الصالح تثقل موازيننا يوم القيامة يوم لا ينفع ولد ولا دينار. فثمار العمل الصالح تكون آجلة وعاجلة، العمل الصالح يشفع لصاحبه في الدنيا والآخرة، فثمرة العمل الصالح عاجلة في الدنيا وآجلة في الآخرة لقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَةَ فَلِلَهِ الْعِزَةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَيِبُ وَالْعَمَلُ الصَالِحُ يَرْفَعُهُ}. وإن العمل الصالح يرتقي بصاحبه يوم القيامة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن لله تعالى عبادًا اختصهم بحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك هم الآمنون من عذاب الله”. فالناس الذين يكرسون حياتهم في الأعمال الصالحة وفعل الخير وقضاء حوائج الناس لهم أجر عظيم، ويكرمهم الله وينجيهم من عذاب يوم القيامة. ومن رحمة الله عز وجل كذلك، أنه يكافئ عباده الذين قاموا بإنجازات عظيمة بجعل ثوابها يستمر بعد موت أصحابها. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”. وإن للأعمال الصالحة ثمراتٍ كثيرةً في الدنيا والآخرة يمُن الله تعالى بها على مَن اصطفاه من عباده للتلذذ بنعيم قُربِه ومُناجاته، وطريق الحصول على لذة الطاعة يحتاج لأسباب لو التزم بها العبد حصل له مقصوده، وجمع بين سعادة الدنيا ونعيم الآخرة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنهُ حَيَاةً طَيبَةً وَلَنَجْزِيَنهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. فالعمل الصالح ثمرته عظيمة ونفعه جليل، ويكفي المؤمن شرفًا أن ينال الحياة الطيبة في الدنيا قبل أن ينتقل إلى الحياة الطيبة في الآخرة وذلك عن طريق العمل الصالح الخالص لله والمتبع فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا سعادة للمرء إلا بسلوك طريق العبادة التي ارتضاها الله لعباده المؤمنين، وكلما كان العبد أحرص على أداء العبادة على الوجه الذي يرتضيه ربه كان السبيل للحصول على اللذة سهلاً وميسرًا. وللعمل الصالح فوائد جمة تعود على المجتمع المسلم، فبه نكوّن مجتمعًا متماسكًا ومترابطًا يحمل كل معاني الإخاء والصداقة، فيتخلص المجتمع من كافة أشكال الحقد والغيرة من بعضه البعض، خاصة أنهما أحد أهم الأسباب المدمرة للمجتمعات. وبه ينتعش المجتمع ماديًا فيصبح مجتمعًا غنيا، فعندما يُقدِم الأغنياء للفقراء المال كأحد الأعمال الصالحة، تكون النتيجة باستثمار الفقراء تلك الأموال بمشاريع صغيرة، أو عمل متواضع مما يرقيه ماديًا ويجعله قادرًا على سد احتياجاته واحتياج أفراد عائلته. وبه تُبنى حضارة إسلامية ذات بناء معماري رائع وبيئة نظيفة خالية من الأوساخ والنفايات، فلو قام كل فردٍ مسلم بإماطة الأذى عن الطريق وساعد في البناء لاكتملت الحضارة وأصبحت أعظم من الحضارات الأخرى. ومن خلاله يُبنى مجتمع إسلامي مميز يحمِل جميع الصفات الإسلامية ويطبقها بما يرضي الله عز وجل، فتزدهر الأمة الإسلامية وتعود كما كانت في السابق قويةً ومزدهرة. *كلية الدراسات الإسلامية / قطر