وعدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في رمضان بالعتق من النّار ودخول الجنّة، وأخبرنا أنّ لله عتقاء من النّار في هذا الشّهر، وذلك كلّ ليلة... والسّؤال: مَن هم الّذين يظفرون بهذا الثّواب؟ لا شكّ أنّ الّذين يظفرون بهذا الثّواب هم الّذين تعاملوا مع رمضان كما تعامل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الّذي يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وكان يركّز على خمسة أمور لا يتوانى في إنجازها. صيام نهاره حقّ الصّيام، فلم يكن يمسك عن المفطرات من أكل وشرب وشهوة، ثمّ يطلق العنان لسانه وسمعه وبصره وجوارحه بالمعاصي والآثام، ولذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن لم يَدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”. قيام ليله حقّ القيام، فليالي رمضان مدرسة تربوية تهذب النّفوس وتمحو الخطايا، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه”، وقال عليه الصّلاة والسّلام: ”ومن قام مع الإمام حتّى ينصرف كُتب له قيام ليلة كاملة”، ومن منّا لا يحبّ أن تُغفر ذنوبه؟ وإذا كان رسول الله لا يفرط في القيام فما بالك بغيره؟ الصّدقة، حيث ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود النّاس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيُدارسه القرآن وذلك كلّ ليلة، فلرسول الله أجود بالخير من الرّيح المُرسلة”، وسبب سخائه صلّى الله عليه وسلّم مجالسة جبريل وقراءة القرآن، فتجد بعدها ”ينفق إنفاق مَن لا يخشى الفقر”، فعجيب أن ينقضي الشّهر على المسلم دون أن يخرج صدقة. قراءة القرآن الكريم، فقد كان جبريل عليه السّلام كما في الحديث السّابق ينزل كلّ ليلة يتدارس القرآن الكريم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونزول القرآن جملة كاملة إلى السّماء الدّنيا كان في ليلة القدر من شهر رمضان المعظّم، وأوّل ارتباط بين السّماء والأرض بالوحي كان فيه، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن}، ولذلك كان العلماء يتركون الفقه والحديث في هذا الشّهر ويتفرّغون للقرآن تلاوة ودراسة وتفسيرًا. الدُّعاء، إذ للصّائم فيه دعوة لا تُرَد، وخاصّة عند فطره، حيث يعلن الإخلاص لله ويعترف بالنّعمة للمُنعم ويسأل ثبات الأجر ”اللّهمّ لك صُمتُ وعلى رِزقِك أفطرتُ”، ”ذهب الظّمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله”. وقد ذكر الله الدّعاء متخلّلا آيات الصّيام وبعد فرضيته {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُون}.. هذه هي الخماسية الرّمضانية، فهل مِن مُشَمّر ليُعتق من النّار ولمغفرة الذّنوب والأوزار؟ إمام وخطيب جامع الأمير عبد القادر بقسنطينة*