تصدر المحكمة الإدارية ببئر مراد رايس قرارها، اليوم، في القضية التي رفعتها وزارة الاتصال، بالقسم الاستعجالي، لتجميد صفقة بيع أسهم مجمع “الخبر” لشركة ناس برود، وذلك بعد نحو شهر ونصف من بداية القضية التي عرفت تأجيلات متكررة في جانبها القضائي، وتفاعلا واسعا سياسيا وإعلاميا وشعبيا منقطع النظير. تتوجه الأنظار اليوم إلى المحكمة الإدارية ببئر مراد رايس، لمعرفة القرار الذي سيصدره القضاة في ما بات يصطلح عليها إعلاميا في الجزائر “قضية الخبر”. وتعقد المحكمة اليوم جلستها السادسة، بعد 4 تأجيلات متتالية كانت المتسبب فيها وزارة الاتصال بسبب كثرة الأخطاء في عريضتها الأولية، ثم الاستماع للمرافعات في الجلسة الخامسة، إلى غاية وضع القضية في المداولات في انتظار النطق بالقرار في هذه الجلسة. وسيتحدد بناء على هذا القرار معرفة المسار الذي ستأخذه القضية، إما بتجميد صفقة بيع أسهم مجمع “الخبر”، وإما بإصدار المحكمة قرارا بعدم الاختصاص، وبالتالي تحويل القضية إلى القضاء العادي، ليستمر بذلك مشوارها أمام العدالة لأيام أخرى، وهي كلها احتمالات يطرحها المختصون القانونيون حول مآلات القضية، أمام الإصرار الواضح لوزارة الاتصال على استنفاد كل الطرق لعرقلة الصفقة وعدم إتمامها، ولم لا “غلق الجريدة” كما قال وزير الاتصال مستعرضا هذا الاحتمال في حوار مع موقع “كل شيء عن الجزائر”. ومهما يكن القرار (القضاء الإداري يستعمل مصطلح القرار وليس الحكم) الذي سيصدر، فإن قضية “الخبر” تجاوزت الأبعاد القضائية لها، وتحولت إلى قضية رأي عام وطني، شغلت على مدار 50 يوما الصحف والقنوات المحلية والأجنبية، وملأ صداها فضاءات التواصل الاجتماعي، وأصبحت حديث العام والخاص في الشارع الجزائري. وبالتالي وجدت “الخبر” نفسها مركزا للاهتمام يحرص الجميع على اقتفاء جديد قضيتها والتفاعل معها، سواء من خلال زيارات التضامن للجريدة من مواطنين وسياسيين وجمعويين، أو إبداء التعاطف على الفيسبوك الذي اكتسحه وسم “كلنا - الخبر” منذ الأيام الأولى للقضية. وتجلى التضامن مع “الخبر” في أسمى صوره، من خلال الوقفات التي دعت إليها الجريدة أمام المحكمة تزامنا مع جلسات قضيتها، فكان الإقبال كبيرا سواء من المواطنين أو الصحفيين المتضامنين أو السياسيين الذين توافدوا بكثرة، وصنعوا مشهدا نادرا من الاتفاق بين تيارات إيديولوجية متنافرة على مساندة قضية “الخبر”. وكانت أبلغ الصور تلك التي رسمها البسطاء خاصة من معطوبي الجيش الذين لم تمنعهم عاهاتهم من قطع مسافات طويلة، ليكونوا حاضرين مع “الخبر”، لأن في اغتيالها اغتيالا لصوتهم، كما قال ممثلهم، وهم عينة من مغبونين كثر في الجزائر كانت الجريدة دائما مكبرا لصوتهم الذي يراد له في جو الغلق الإعلامي أن يكون خافتا. هذا الالتفاف الواسع حول قضية “الخبر”، يحسب له أنه بدأ في تحريك مياه قطاع الإعلام بعد سنوات من الركود، فبدت السلطة وكأنها تسابق الزمن من أجل تدارك الأوضاع في قطاع الإعلام، بعد أن تحولت وزارة الاتصال إلى ما يشبه ثلاجة تقوم بتجميد مواد القانون العضوي للإعلام الذي قدم يوم إصداره قبل 4 سنوات على أنه باكورة إصلاحات الرئيس بوتفليقة الممهدة لغزو الديمقراطية للبلاد، فما كان من الوزير الأول عبد المالك سلال إلا أن تفطن في خطاب له قبل أسبوعين إلى حال الإعلام الكارثي، واعدا بتنصيب سلطة ضبط السمعي البصري ووضع حد لفوضى القنوات وانتهاكات بعضها لأخلاقيات المهنة، وتاركا علامات الاستفهام حول مصير سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي يتحدث وزيره للإعلام في كل مناسبة عن اعتزامه إلغاءها من القانون ! وأخذ التفاعل مسارا آخر في الجانب السياسي، بعد التدخل “الكاريكاتوري” للأمين العام للأفالان، عمار سعداني، الذي حاول إقحام “الخبر” في صراع سياسي يخصه لوحده، مدعيا أن الصفقة يقف وراءها قائد المخابرات السابق، الجنرال توفيق، الذي صار يهذي به وينسب له كل شرور الجزائر بالحق وبالباطل، غير أن الرد جاءه سريعا بعد أن كشفت “الخبر” أنها كانت أكبر ضحايا الدياراس، من خلال حرمانها من الإشهار العمومي والمؤسساتي، لمدة 20 سنة كان يتحكم فيها هذا الجهاز في توزيع الإشهار على الصحف، فبدت اتهامات سعداني وكأنها طبعة جديدة من هلوساته المعتادة، لكنها أظهرت في المقابل، مدى الصداع الذي تسببه له “الخبر” ولأمثاله في السلطة، إلى درجة تحويلها إلى قضيتهم “الخاصة”، ومحاولة مصادرتهم لهامش الحرية الواسع الذي انتزعته الجريدة وغيرها من المؤمنين بالكلمة الحرة انتزاعا بفضل مسار من النضال طويل. لكن رغم كل ما يحاك ضد الجريدة منذ الانتخابات الرئاسية 2014، تبقى “الخبر” باعتراف أطراف في السلطة ذاتها “جريدة كبيرة” كما قال أحمد أويحيى مدير ديوان الرئاسة، وعضوا حيويا في جسد الإعلام الجزائري، وهي عند قرائها وأوفيائها جزء من يومياتهم، وبالتالي تاريخهم، وسيكون من العبث والإجرام “اغتيال” هذا الحلم الذي استمر 26 عاما، برصاصات طائشة ستقضي على ما تبقى من أمل في الجزائر. مواقف للتاريخ.. عبد الله هبول: قاض ونقابي سابقا “مهما كان القرار الذي ستنطق به المحكمة الإدارية، فسيكون موشحا باسم الشعب الجزائري وليس باسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولا وزير العدل ولا أي شخص آخر في هذه البلاد. وهذا يعني أن القضاة يستمدون سلطتهم من الدستور وتحديدا المادة 159، التي تقول: “يصدر القضاء أحكامه باسم الشعب”. والقضاة ملزمون وهم يمارسون وظيفتهم، باحترام المادة 165 من الدستور التي تقول: “لا يخضع القاضي إلا للقانون”. تفسير هذه المادة هو أن القاضي ملزم بطاعة القانون وفرض احترامه على أي كان، حتى لو كان وزيرا بل الحكومة بكاملها”. مقران آيت العربي: محام وناشط سياسي “كل فضيحة تخفي فضيحة أخرى سابقة، ولكن فضيحة رفع الدعوى من طرف وزارة الإعلام ترمي بالدرجة الأولى إلى إخفاء ما يتم تحضيره ليلا لمستقبل الجزائر ولمرحلة ما بعد عبد العزيز بوتفليقة وصراع الجماعات من أجل الخلافة. إن هذه الفضيحة الجديدة التي تتحمل السلطة- وليس وزير الاتصال وحده- مسؤوليتها تستهدف صحافيي “الخبر” وحرية الرأي والتعبير التي يعملون من أجل الدفاع عنها منذ تأسيس الجريدة، أكثر مما تستهدف ملاك المجمع الحاليين أو اللاحقين. فشراء أسهم من طرف رجل أعمال-مهما كان- لا يقدّم حرية الصحافة ولا يؤخرها. ومن ثمة، فإنني أسجّل تضامني مع الصحافيين وعمال المجمع من دون تحفظ”. مصطفى بوشاشي: محام وناشط حقوقي “التكهنات كرجل قانون تجعلني أقول إن المحكمة ستقضي بعدم الاختصاص في الدعوى الاستعجالية، أما في الموضوع فأعتقد أن المعطيات المتوفرة في قضية “الخبر”، تفضي إلى أن الطرف المدعي سيفشل في مسعاه، باعتبار أن القضية غير مؤسسة، ووزارة الاتصال ليست لها الصفة لرفع هذه الدعوى، في ظل غياب سلطة الضبط للصحافة المكتوبة التي لم تنصب رغم أن المشرع خصص لها 18 مادة في قانون الإعلام”. عمار خبابة: منسق شبكة المناضلين الحقوقيين والسياسيين “أوجه رسالة إلى من اعتادوا التدخل في شؤون القضاء أن يتركوا القاضي يحكم وفق ضميره، وليس كما يزعم البعض بأننا جئنا للضغط على المحكمة. نحن ندعم القضاة حتى يحكموا وفقا للقانون، لأن هذه قضية “الخبر - وزارة الاتصال” من جوانبها الشكلية والموضوعية مرفوضة، لأنه لا يجوز للقاضي أن يحكم في قضية تجارية بين طرفين بالإلغاء أو التجميد، لأن العقد شريعة المتعاقدين”. صالح دبوز: محام وناشط حقوقي “الأمر واضح في قضية “الخبر” من الناحية القانونية، فأي طالب مبتدئ في الحقوق، يمكنه أن يرى عدم الاختصاص، لأن هذه القضية ليس فيها الطابع الاستعجالي ولا يمكن الفصل فيها من القضاء الإداري، فهي من اختصاص الفرع التجاري في المحكمة العادية. الحكومة ليست لها الصفة لتقاضي “الخبر” أو الشركة التي اشترت أسهمها، لكن من الواضح جدا أن وزير الاتصال، لما سارع إلى مقاضاة “الخبر”، قام بذلك بطريقة مرتبكة، ما أوقعه في أخطاء عديدة، اضطر على إثرها محامو الوزارة إلى عدة تصحيحات”. نور الدين بن يسعد: محام وناشط حقوقي “من المستفيد من خنق مؤسسة إعلامية مثل “الخبر”؟ أكيد ليست الجزائر هي المستفيدة، فعندما تنجح السلطة في تقليص فضاءات التعبير فهي تدفع بالمجتمع إلى الانفجار، ومن لا يجد فسحة للتعبير بطريقة سلمية سيلجأ إلى العنف لا محالة. المشاكل التي تفتعلها السلطات ل”الخبر”، تعطي صورة سيئة للغاية للخارج عن أوضاع الحريات والحقوق في الجزائر.. والرابطة تلقت اتصالات من تنظيمات دولية مهتمة بالحقوق والحريات، تستفسر عن سبب استهداف حرية الصحافة وحرية الاستثمار والتجارة بالجزائر. ما يحدث يلقي الخوف في نفوس المستثمرين الأجانب الذين تزعم الحكومة أنها تريد استقطابهم. فهم يرون أنها مسألة تتعلق بالاستثمار بين جزائريين وتدخلت الإدارة لعرقلته، فما بالك إذا تعلق الأمر بمستثمر أجنبي”. فاروق قسنطيني: محام وحقوقي “في الحقوق، هناك مبدأ واحد. هو أن النصوص القانونية لها دائما تفسير ضيق، ولا يجب تأويل نص عبر إعطاء تفسير ليس موجودا أصلا في مضمونه، إذا ورد حرفيا في النص القانوني، أشخاص معنويون بعدم ذكر أشخاص طبيعيين، فمعناه أن الممنوع عن الشخص المعنوي من المحتمل أن يكون مسموحا للشخص الطبيعي، وهذه قراءة قانونية سليمة للنص، ولا ينبغي أبدا ممارسة الغش مع القانون”.