كان الحياء خُلُقًا تتوارثه الأجيال، وتَفْخَر به الأمم.. ففي خَبَر موسى عليه الصّلاة والسّلام حين وُروِده ماء مَدين أنّه جاءته إحدى المرأتين تمشي على استحياء.. {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}، قال عُمر رضي الله عنه: قد سَتَرَتْ وَجْهها بِكُمِّ دِرْعها. وكان دليل هذا الحياء أنّها لم تَنسب أمْر الدّعوة والجزاء لِنفسها بل نسبته إلى أبيها، ف{قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}. قال العلامة ابن كثير: وهذا تأدُّب في العبارة، لم تَطلبه طَلبًا مُطلقًا، لئلاّ يُوهِم رِيبة، بل قالت: إنّ أبي يدعوك لِيَجزيك أجْر مَا سقيتَ لنا، يعني: لِيُثِيبك ويُكَافئك على سَقيك لِغَنَمِنَا، وما كان مِن موسى عليه الصّلاة والسّلام إلاّ أن قابَل الحياء بِحياء. فالحَيَاءُ هُوَ مِن أَفضَلِ الأَخلَاقِ وَأَجَلِّهَا، وَأَعظَمِهَا قَدرًا، وَأَكثَرِهَا نَفعًا. عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليِه وسلّم: “إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْحَيَاءُ”. وروي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “الحياء لا يأتي إلاّ بخير”. قال العلامة ابن حبّان: الحياء مِن الإيمان، والمؤمن في الجنّة. والحياء صِفَة مِن صِفَات الله عزّ وجلّ، ففي الحديث الصّحيح: “إنّ الله عزّ وجلّ حَيِيّ سِتِّير يُحِبّ الْحَيَاء والسِّتْر”.