لا تخفي السلطة أهدافها ورهانها الأهم من وراء هذه التشريعيات هو أنها تجري في أجواء هادئة وسلمية وأن تكون نسبة المشاركة "محترمة". لا تختلف الأجواء التي تجرى فيها انتخابات اليوم، عن تلك التي خيمت على استحقاقات 2012، بسبب مخاوف السلطة من عزوف آخر يلطّخ مسعاها في الإبقاء على حالة الانسداد السياسي رغم الإفراج عن حزمة الإصلاحات التي أقرّها رئيس الجمهورية في 2011 تحت ضغط الشارع وشظايا الربيع العربي. وما يقلق السلطات أكثر هذه المرة، الخوف من اتساع رقعة مقاطعة الانتخابات شعبيا وعدم خروج الناخبين إلى مراكز الاقتراع، رغم تقلّص دائرة الداعين إليها من السياسيين، ونجاح السلطات في "استمالة" المعارضة التي ستضطر إلى مكافأتها على العودة إلى بيت الطاعة، بعدد مريح من المقاعد على حساب الأفالان والأرندي، بداعي "المصلحة العليا للدولة"، وهو ما سيمكّنها من "إعادة ترتيب البيت الداخلي وإشراك الأحزاب المشاركة في تحمل المسؤولية مستقبلا". وبرأي المراقبين، تمثّل منطقة القبائل بولاياتها، تيزي وزو وبجاية والبويرة وأجزاء من شمال سطيف وبرج بوعريريج والبويرة، عيّنة لقياس مدى استجابة الناخبين لنداء التصويت الذي أطلقته الأحزاب، التي زارت هذه المناطق في الحملة الانتخابية. وتعتبر هذه الرقعة الجغرافية "بارومتر" حقيقي لنسبة المشاركة، تليها الجزائر العاصمة في المرتبة الثانية، وذلك لاشتهارهما بالتصويت بنسب ضئيلة في كل الاستحقاقات، وأيضا امتحان حقيقي لأحزابها لإثبات القدرة على تطويق حركة "الماك" الانفصالية. ولتذليل العقبات أمام هذين الحزبين، تركت السلطة الباب مفتوحا أمام إمكانية التجاوب مع مقترحات الأرسيدي والأفافاس، والخاصة بتقسيم إداري جديد يراعي إنشاء ولايات منتدبة تسير ذاتيا، دون إغفال إمكانية تخصيص "كوطة" للمعارضة من الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة. وبإلقاء نظرة على نسب المشاركة في المواعيد الانتخابية السابقة، نجد أن الجزائر ودّعت إلى غير رجعة موضة النسب المرتفعة، ما فسره قادة الأحزاب في مناسبات عديدة، بأن ذلك أسّس لمرحلة جديدة، ولم تتجاوز نسب المشاركة 55 بالمائة في استحقاقات 1995 و1997 و1999، فيما لا يتجاوز وزن دعاة المقاطعة نسبة 10 بالمائة على الأكثر. كما تكشف النتائج المصرّح بها، أن نسبة المشاركة في تشريعيات 2012 لامست 43 بالمائة، أي أعلى من نسبة المشاركة في استحقاق 2007 الذي استقرت فيه وبشق الأنفس عند 35 بالمائة، وهي أضعف نسبة منذ الاستقلال. وما تجدر الإشارة إليه، أنه باستثناء حزبي الأفالان والأرندي وإسلاميي تحالف "حمس" واتحاد النهضة والعدالة والبناء و"تاج"، فإن باقي التشكيلات المشاركة لم تستطع الترشيح في كافة الدوائر الانتخابية، منعا لتشتّت الأصوات، وبالتالي تفادي السقوط في فخ ما دون 4 بالمائة التي تحرمها من دخول الانتخابات مستقبلا. كما نجد أن أكثر من مليون صوت، أي ما نسبته 13,92 بالمائة ضاعت في الانتخابات السابقة ولم يستفد منها أي حزب، إضافة إلى أن ما نسبته 18.25 بالمائة، أي 1.7 مليون ورقة تصويت ملغاة، لأن أصحابها لم يختاروا أي من المترشحين، وهو ما يمكن تفسيره أن البضاعة السياسية المقدّمة من الأحزاب في الحملة الانتخابية لا تستجيب لتطلعات الناخبين.