انضمت أنقرة إلى واشنطن وطهران وبغداد فى الضغط على حكومة إقليم كردستان لإلغاء الاستفتاء، خوفا من زعزعة استقرار المنطقة وتشجيع الأكراد فى أماكن أخرى للدفع من أجل الانفصال. بالنسبة لتركيا، فإن شبح الاستقلال الکردستاني يمثل تحديا معقدا بشکل خاص، إذ إن أنقرة تقاتل المسلحين الأكراد داخل تركيا، منذ أكثر من ثلاثة عقود، ومع ذلك، فإن تركيا وحكومة إقليم كردستان حليفتان قويتان اقتصاديا وعسكريا. منذ ما يقرب من 10سنوات، دافع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مسعود بارزاني، زعيم حكومة إقليم كردستان، كقوة موازية ل"حزب العمال الكردستاني"، الجماعة المحظورة التي شنت تمردا ضد تركيا. صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية قالت إن "حزب العمال الكردستاني" يملك مخابئ في جبال قنديل، على بعد 90 كم من أربيل، عاصمة كردستان، وتتسامح حكومة إقليم كردستان مع العمليات التركية ضد المسلحين داخل أراضيها. وقد سمحت الحكومة الإقليمية لتركيا ببناء قواعد عسكرية في المناطق التي تسيطر عليها. كما أن هناك أيضا روابط اقتصادية قوية بين أنقرة وحكومة إقليم كردستان العراق. فقد ساعدت الشركات التركية في بناء البنية التحتية لحكومة الإقليم، بما في ذلك بناء مطار بتكلفة 550 مليون دولار في أربيل، وحوالي 1300 شركة تركية تعمل خارج منطقة الحكم الذاتي. ولكن ربما الأكثر أهمية هو روابط النفط والغاز بين البلدين. حيث يصدر إقليم كردستان العراق ما لا يقل عن 550 ألف برميل من النفط يوميا، عبر خط أنابيب يمر جنوب شرق تركيا إلى البحر الأبيض المتوسط. كما عملت حكومة إقليم كردستان مع شركة "روسنيفت" للنفط الروسية لتوسيع خط الأنابيب الحالي والاستثمار في الإنتاج وبناء خط أنابيب جديد لربط حقول الغاز الكردية بمحطات الطاقة التركية. ومع ذلك، فقد اعتبرت "فاينانشال تايمز" أن الاستفتاء هو اختبار لعلاقة حكومة إقليم كردستان مع أنقرة. بالنسبة لأردوغان، فإن الاستفتاء قد يحمل ما يعرف باسم "تأثير الدومينو"، أي إعادة إحياء الحديث عن انفصال الأقلية الكردية المضطربة بالفعل في تركيا. الأمر الذي جعله يهدد بعقوبات ضد حكومة إقليم كردستان. وعلى الرغم من أن الموقف المتشدد من أردوغان، ضد فكرة الانفصال الكردستاني، يمنحه فرصة توسيع قاعدة دعمه المحلي، فإنه عليه أيضا أن يحقق التوازن بين المصالح الاقتصادية والاستراتيجية لتركيا. الصحيفة البريطانية نقلت عن دبلوماسي غربي قوله إن أنقرة استفادت بشكل كبير من علاقتها مع حزب بارزاني "الديموقراطي الكردستاني"، ومن غير المحتمل أن تخاطر بضغط شديد على الزعيم الكردي حتى مع استمرار المناورات العسكرية على الحدود. وفي الوقت نفسه، من الممكن أن تطرد تركيا ممثلى حكومة إقليم كردستان وتستدعي الموظفين القنصليين الأتراك، وتوقف رحلات الخطوط الجوية التركية الهامة للحكومة، وكذلك تقلل الصادرات إلى المنطقة بما فى ذلك الكهرباء. والأهم من ذلك، بحسب "فاينانشال تايمز"، هو عرقلة صادرات النفط، فقد أظهرت بيانات صدرت في أكتوبر 2016، أن 85٪ من النفط الذي أنتجته حكومة إقليم كردستان قد تم بيعه عبر ميناء جيهان التركي. لكن قطع خط أنابيب النفط سيؤثر على تركيا أيضا، إذ أن حكومة بارزاني تدفع رسوم عبور إلى أنقرة وتعتمد تركيا اعتمادا كبيرا على الواردات لتلبية احتياجاتها المتنامية بسرعة من الطاقة. كما أن هذه الخطوة يمكن أن تضر أيضا بهدف تركيا المتمثل في أن تصبح طريق عبور موثوق به لصادرات الطاقة من الشرق الأوسط وروسيا إلى أوروبا، وأن من غير المرجح أن تتخذ أنقرة إجراءات يمكن أن تثير التوترات مع موسكو.