رغم أن حياته قد تغيرت رأسا على عقب بين يوم وليلة، إلا أن تحول صورة الداعية الإسلامي " مالكوم إكس " في الإعلام والأذهان قد استغرق أكثر من ذلك بكثير. اليوم في الذكرى الثالثة والخمسين لاغتياله، يظهر مالكوم إكس بصورة أكثر إشراقا وملحمية خلافا لتلك التي ابتغاها له الإعلام الأمريكي أيام الستينات ، حين كان يروج له على أنه عنصري وداعية للعنف، لاسيما بعد أن جاء من ينصفه من حراس التاريخ والحقيقة. طفل أمريكي من أصول إفريقية، لون بشرته الغامقة تحكي إحدى أسوأ قصص العنصرية والاستعباد في التاريخ البشري ، وابنٌ لأب اغتاله عنصريون بيض ، وأم تهيم في أحد مراكز الصحة العقلية في ولاية نبراسكا الأمريكية ، هكذا تفتحت عيون مالكوم على الحياة سنة 1925، وهكذا رحب به العالم! لم يكن يعوز مالكوم أي سبب لاحتراف الإجرام بدءًا من السطو أو السرقة وانتهاءً بتجارة المخدرات والعمل في البغاء، فظروف طفولته كانت دافعا قويا لتجعل منه ذاك المجرم المحترف الذي لا يتورع في مقارعة الشرور دون رادع أو وازع ، وكان من الطبيعي أيضا أن تتلقفه زنزانات السجن، فقد ألقي القبض عليه سنة 1946 ، وحكم عليه بالسجن لعشر سنوات، وفي سجن تشارلز تاون العتيق بدأ مالكوم آخر يتبدى للعالم. "إن من خارج السجن ليسوا بأفضل منكم، وإن الفارق بينكم وبين من في الخارج أنهم لم يقعوا في يد العدالة بعد" قد تكون هذه الجملة واحدة من مئات آخرى مثلها التي كان يقولها ميمبي صديق السجن، وقد تكون مثل غيرها إزميلا نحتت "مالكوم" جديدا بروح جديدة وعيون تنظر إلى العالم بطريقة مختلفة، فقد اعتنق الإسلام وانضوى تحت لواء حركة أمة الإسلام بقيادة إلايجا محمد ومضى في طريق الحقيقة بالقراءة و النضال. ورغم أن صحوته على الإسلام كانت غبشاء بسبب التصور المحرف الذي كان يفرضه الايجاه محمد على أتباعه، فقد كانت حركة أمة الإسلام تقوم على فهم محرف للإسلام ، و تدعو إلى تفوق الجنس الأسود وسيادته على الأبيض ، وتتبنى عقائدا محرفة ، إلا أن مالكوم إكس سرعان ماعاد إلى الجادة والإسلام الحقيقية بعد جولة في عدد من البلدان الإفريقية من بينها الجزائر ، وبعد رحلة حج قام بها إلى البقاع المقدسة في مكة أين التقى بشخصيات إسلامية عديدة ، فتصصحت مفاهيمه ، وعقيدته ، و قال آنذاك مقولته الشهيرة " "إدانة كل البيض يساوي إدانة كل السود"، ومن ثم بدأ نضالا آخر إلى جانب النضال ضد الظلم والعنصرية ، إنه النضال ضد التضليل. وما كان لمنظمة أمة الإسلام أن تمرر لمالكوم تحوله الجديد، فصدر أمر باغتياله ، وهناك على منصة في قاعة مؤتمرات في مدينة نيويورك في 21 فيفري 1965 ، تلقى مالكوم رصاصة أردته قتيلا. إن "مالكوم إكس" أو الشيخ مالك الشباز يمثل النموذج الأصدق للتغير الجذري المفاجئ من النقيض إلى النقيض أكثر مما يمثل شخصية الداعية أو المدافع عن حقوق بني قومه من السود الأمريكيين ، فالتعارض الكبير الذي يصل إلى حد التضاد بين بداياته العنفية والإجرامية ونهايته النضالية يعطي نموذجا واضحا لآلية التغيّر الإنساني من مستنقعات الفشل الاجتماعي إلى قمم السمو والقيادة، وهو النموذج الأجدر بالاقتداء.