قدم المخرج المصري شوقي أبو بكر، أمس، العرض الأول لفيلمه الروائي الطويل الأول الموسوم ب"يوم الدين"، ضمن فعاليات الدورة الواحدة والسبعين لمهرجان كان السينمائي، وقد حملت التجربة الروائية الطويلة الأولى في مسار المخرج الشاب، عدة مفاجآت سواء على مستوى السيناريو و أداء الممثلين الذين شاركوا في العمل، ما جعله فيلما جديرا بالمشاركة في مسابقة مهرجان كان، ومنافسا قويا على السعفة الذهبية التي يريد الضفر بها واحد وعشرون مخرجا عالميا منهم مخرجين كبار على غرار المخرج الفرنسي الكبير جون لوك غودار. وأعطى المخرج المصري شوقي أبو بكر، بصيصا من الأمل للسينما العربية هذه السنة، وقدم عملا جريئا و مختلفا في كل شئ، عبر حكاية رجل مصاب بمرض الجزام يسافر رفقة أحد الأولاد في رحلة البحث عن عائلته في محافظة قنا المصرية، ولم تكن الرحلة وحدها محرك الأحداث و إنما تفاصيل أخرى أضافها المخرج لتصنع ديكورا متكاملا، حول الوضع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي لمصر في السنوات الأخيرة. في بداية الفيلم يضعنا المخرج أمام صور،توحي بأنه عمل وثائقي عن رجل مصاب بمرض الجزام، وهو بطل الفيلم الذي جسد دوره ممثل مغمور جدا،إلى حد ما كان يجسد شخصيته الحقيقية في الحياة، ولكن العمل يصر على أنه روائي من خلال الحكايات التي رافقته في منحى تصاعدي يفكك الواقع المحزن الذي تعيشه الطبقة الكادحة و الوسطى للمجتمع المصري، في المدن الداخلية، و معاناة الحياة ضمن قالب بيروقراطي، و نظام لا يرحم أحد،مقدما رسائل تنتقد الوضع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع المصري. لم يهمل المخرج أي جرحٍ يعاني من المصري، إلا و أشار إليه بداية من حكايات العبارة و رحلات الموت ،مرورا بالحديث عن الدولة البوليسية و العشوائيات، ليصل في النهاية إلى التسامح الديني في المجتمع،و يضع،الدولة في كفة و المجتمع في كفة ثانية. وعندما يتحدث عن القيم و المبادئ، ينتصر للإنسان المصري ببساطته وخفة دمه و تسامحه مع الأديان، بعد أن وضع بطلا الفيلم في انتماءات دينية مختلفة،حيث تجمعها الإنسانية رغم اختلاف الأديان،فلم يلتفت الطفل إلى ديانة رفيقه في الرحلة ، و لا إلى شكله وأصر البقاء معه إلى أخر لحظة، مواجها ومتحديا كل الصعاب التي كانت تأتي من خلف الأنظمة الحاكمة،و رغم ذلك فلا يوجه الفيلم أي إدانة مباشرة إلى أي جهة معينة، و إنما يكتفي بتقديم صور و مشاهد عن وضع جد محزن لبلد يميل شعبه بالفطرة إلى التسامح . بترشيح إدارة مهرجان كان لهذا الفيلم،فهو إعلان انتصار جديد للسينما المصرية المستقلة،على رأسها منتجة الفيلم دينا إمام و المنتج محمد حفظي،و تأكيدا على أن الفيلم الناجح لا يحتاج بالضرورة إلى نجوم،فطاقم الفيلم هم ممثلين غير معرفين، كما وصفهم المدير التنفيذي لمهرجان كان تيري فريومان متحاشيا وصفهم ب"الهواة"،و لكن السيناريو الذي كتبه أبو بكر شوقي، أخرج أقوى ما لدى الممثل،ما أعطى درسا لعدد كبير من المنتجين السينمائيين في مصر الذين يميلون إلى الأفلام التجارية، فالمخرج الشاب اختار طريقا مختلفا تماما، و قرار الغوص في تجربة سينمائية من هذا النوع ، في ظل أزمة السينما العربية مع هجرة الجمهور، و هو ما يعتبر قرار جريئا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لقد قدم المخرج المصري، الفيلم مع غياب نجوم العمل، فللأسف لم يتمكن أبطال الفيلم المصري ،من الحضور بسبب التأشيرة،و يبقى السؤال المطروح"هل ستفك مصر شفرة السعفة الذهبية و تخطف للسينما العربية واحدة جديدة بعد أول سعفة ذهبية حازت عليها الجزائر قبل نحو 45 عاما عن فيلم"وقائع سنين الجمر" للخضر حامينا، و ثاني سعفة فاز بها التونسي عبد اللطيف كشيش عن فيلمه"حياة أوديل".