كشفت مصادرة الكمية الكبيرة من مادة الكوكايين بميناء وهران عن علاقات وطيدة خارج القانون، نسجها كمال شيخي المدعو "البوشي"، صاحب شحنة اللحوم الحمراء التي جاءت من البرازيل مصحوبة بالمخدرات الصلبة، مع عدد كبير من القضاة ممن طوعوا القانون لمصلحته لحيازة عقارات ذات قيمة عالية، بيعت له في إطار عمليات بيع بالمزاد نظمها القضاء. ومن هذه النتائج الأولى لهذه العلاقة المريبة: توقيف 4 قضاة عن العمل. وذكر مصدر رسمي ل"الخبر" أن قرار التوقيف اتخذه وزير العدل، الطيب لوح، وتم تنفيذه مساء أول أمس، وأن الأمر يتعلق برئيس المحكمة الإدارية بالعاصمة، وقاضية نائب عام مساعد بمجلس قضاء العاصمة، ووكيل الجمهورية بمحكمة بودواو (بومرداس) ومساعده. وأوضح المصدر أن الشبهة تحوم حول النائب العام بمجلس قضاء ولاية شرقية كبرى، وقد يتخذ بحقه نفس الإجراء إذا ثبت أن العقار الذي حصل عليه بفضل مؤسسة الترقية العقارية التي يملكها كمال شيخي، كانت بمثابة هدية منه مقابل الانتفاع من معاملة تفضيلية في إطار ملفات محل نزاع قضائي، هو طرف فيها. وبحسب المصدر القضائي، فإن القضاة الأربعة الموقوفين محل شبهة "استغلال الوظيفة" و"استغلال نفوذ"، تتيحها مناصبهم، وذلك لفائدة شيخي، الذي حصل بفضلهم على تسهيلات وإجراءات تفضيلية في إطار عمليات بيع بالمزاد العلني، أشرفت عليها محاكم وتخص أراضي وعقارات كانت في النهاية من نصيب "البوشي". أما المقابل، يضيف المصدر، فكان وساطة أجراها شيخي مع وجهاء في السلطة، لاستفادة هؤلاء القضاة من الترقية في الوظائف والمناصب. ورجح المصدر تطور القضية لتأخذ طابعا جزائيا ضد هؤلاء القضاة، إذا توصل التحقيق لإثبات تلقي رشاوى من شيخي. ولكن هل السلطة التنفيذية مستعدة للذهاب بعيدا في هذه الملف الذي يبدو أنه أخذ شكل "قضية دولة"، قياسا إلى تورط مرفق القضاء إلى "العنق" فيه؟ أم سيكون مصيره "الحفظ"، مثل العديد من الملفات التي ثبت فيها ضلوع مسؤولين كبار في الفساد؟ وأوضح المصدر أن لوح فتح تحقيقا بوزارة العدل لمعرفة تفاصيل ترقية قضاة بفضل تدخل من شيخي. وبحسب معطيات التحقيق الأولية، فإن 9 قضاة معنيون بهذه الممارسات وبأن شكوكا تحوم حول مسؤولين اثنين بارزين بالوزارة، يقفان وراء هذه الترقيات وهما على علاقة وطيدة بشيخي. وأوفد لوح، حسب المصدر، مفتشا من الوزارة إلى سجن الحراش حيث التقى "البوشي"، وسأله عن شبكة علاقاته مع القضاة. وأضاف المصدر القضائي أن 28 قاضيا على الأقل ربطتهم صلات مشبوهة مع أشهر جزار بالجزائر. ووجه الرابطة بينه وبينهم، حفظ دعاوى عمومية موجهة ضده، وحصوله في بعض الحالات على قرارات لصالحه في نزاعات عقارية. والثابت، حسب الجهة التي تشتغل على هذا الملف غير العادي، أن استيراد اللحوم من البرازيل وبيعها لهيئات رسمية بالجزائر، ولعامة المواطنين بأسعار منخفضة، كان "الجزء الظاهر من جبل الجليد"، لأن النشاط المربح لشيخي الذي جعل منه واحدا من اكبر المليارديرات في البلاد، هو الأملاك غير المنقولة. أما كمية ال701 كلغ من الكوكايين التي حملتها الباخرة مع اللحوم، فلم تكشف عن كل أسرارها. وتابع المصدر القضائي أن لوح "أصيب بصدمة" لما بلغته أولى المعطيات عن علاقات شيخي بالقضاة، وهو الذي ظل في المدة الأخيرة يدافع عنهم ضد اتهامهم في الصحافة وبشبكات التواصل الاجتماعي بالفساد. ونقل المصدر عن لوح قوله "سيأخذ القانون مجراه". ولكن إلى أي مدى سيذهب الوزير في "تطبيق القانون" إذا صحت المعلومات الأولى حول الفضيحة بأن الامتيازات الوظيفية التي كانت من نصيب القضاة تمت بفضل تدخلات من مسؤولين نافذين في البلاد؟. ووصف المصدر قضية "البوشي" بأنها أخطر من فضيحة الخليفة. كما كشف أن علاقة القضاة ب"البوشي" تم تكييفها على أنها قضية "تبييض أموال". وتشير مصادر على علاقة بالملف أن قضية "البوشي" والكوكايين ستطيح بأسماء كبيرة شغلت أو تشغل مسؤوليات كبيرة في الدولة، وتكون أجهزة الأمن قد أوقفت مقربين من أولئك المسؤولين وعرضتهم، أمس، على التحقيق.