تضاربت التصريحات وانقسمت، هذه الأيام، بين معجل ومؤيد للتخلي السريع عن سياسة دعم الأسعار ومراجعتها وبين متريث يريد تأجيلها إلى سنوات أخرى. غير أن وجهات النظر المختلفة تنسب لمسؤولين ينتمون إلى نفس الحكومة، يترأسها وزيرها الأول أحمد أويحيى الذي صحح لوزيره للمالية، عبد الرحمان راوية، بتأكيده أن التخلي عن دعم الدولة لأسعار بعض المواد لن يكون السنة المقبلة، على عكس المسؤول المالي الأول للبلاد الذي صرح بدوره بأن الحكومة ستشرع في مراجعة سياسة دعم الأسعار ابتداء من 2019. وما يفهم من هذه التصريحات رغم تضاربها أن الحكومة قد عوّلت وقررت رفع دعم الأسعار، وأن الجزائريين سيكونون حتما على موعد آخر مع زيادات معتبرة في الأسعار ستنخر جيوبهم، غير أن تاريخ هذا الموعد لم يحدد بعد، لارتباطه بحسابات سياسية تزامنت مع استحقاقات الانتخابات الرئاسية، فرضت في الوقت الراهن على السلطات العمومية عدم إثارة الجبهة الاجتماعية المنهكة أصلا بسبب ضعف قدرتها الشرائية. وليست هذه المرة الأولى التي يكذب فيها مسؤول من الحكومة زميلا له أو يشكك في صدق تصريحاته، وأكثر من ذلك تغيرت قرارات اقتصادية إستراتيجية اتفق عليها جميع أعضاء الحكومة في اجتماعات ماراطونية بتعليمات من رئاسة الجمهورية، مثلما حدث، مؤخرا، بالنسبة لقانون المالية التكميلي لسنة 2018، الذي ضرب بمصداقية رئيس الحكومة ومن معه من الوزراء، ما يعكس حالة تخبط الحكومات المتعاقبة في اتخاذ القرارات الاقتصادية الناجعة لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ سنة 2014، إثر انهيار أسعار النفط. وصحح أويحيى في اجتماع له بأعضاء المكتب الوطني، السبت الماضي، حسب ما نقله موقع "كل شيء عن الجزائر"، تصريحات وزير المالية الأخيرة حول مراجعة سياسة الدعم، استنادا للتصريح الذي أدلى به الناطق الرسمي للحزب، صديق شهاب، الذي أكد أن الأرندي لا يشاطر مواقف بعض الوزراء، منها تلك التصريحات الصادرة عن وزير المالية الذي أعلن عن وقف دعم الأسعار ابتداء من 2019. وقال الناطق الرسمي باسم الأرندي إن حزبه الذي يدعو، منذ سنوات، إلى ضرورة التحكم في كيفية توزيع الإعانات باستهداف الفئات ذوي الدخل المحدود، يعتقد "أننا لن نكون جاهزين لرفع الدعم في 2019". تصريحات تتناقض شكلا وصورة مع ما صرح به وزير المالية عندما نزل ضيفا على حصة "ضيف التحرير" للقناة الثالثة نهاية الأسبوع الفارط، حيث أكد أن الحكومة ستشرع في مراجعة دعم الأسعار ابتداء من سنة 2019. ولا تعد هذه المرة الأولى التي يشكك فيها أويحيى في تصريحات وزرائه، فقد سبق له أن فند ما قاله وزير التجارة آنذاك، محمد بن مرادي، بخصوص محدودية نظام رخص الاستيراد الذي وصفه بالنظام البيروقراطي، ليأتي الوزير الأول ويثمّن العمل بهذا الأخير، وقرارات أخرى لا تحصى ولا تعد اتخذتها الحكومة وتراجعت عنها حتى قبل تطبيقها، كإجبارية التعامل بالشيكات ومراجعة منحة السياحة وإقامة مكاتب للصرف وتعميم العمل بالدفع الإلكتروني وغيرها من القضايا الاقتصادية التي تبقى عالقة تحت رحمة سعر برميل متقلب.