تفاقمت ظاهرة تهريب العملة الصعبة خلال الأشهر الأخيرة لتأخذ أبعادا خطيرة، بعد أن قرر مهربو "الدوفيز" تحدي جميع الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة لاحتواء الظاهرة، ضاربين بذلك عرض الحائط الترسانة القانونية والتشريعات الموضوعة من طرف الدولة للحد من تهريبها، لاسيما في ظل شح الموارد المالية نتيجة انهيار أسعار النفط، بعد تراجع إيرادات الخزينة العمومية من العملة الصعبة، نتيجة انخفاض عائدات الجزائر من صادرات المحروقات خلال الأربع سنوات الأخيرة. تبقى أسباب ودوافع تفاقم ظاهرة تهريب العملة الصعبة مجهولة، في ظل ظرف عام أصبح يشجع على إبقاء الأموال من العملة الصعبة في الجزائر، بعد أن أقر بنك الجزائر إجراءات خاصة تهدف إلى تسهيل عمليات فتح الحسابات البنكية للعملة الصعبة وإضفاء ليونة لفائدة المدخرين في عمليات السحب والإيداع وتحويل العملة الصعبة نحو الخارج. وجاءت هذه الإجراءات في سياق سعي الدولة إلى استقطاب الأموال المتداولة في السوق السوداء والتي أضحت تمثل ما بين 2 إلى 4 ملايير دولار، غير أن انعدام ثقة المواطنين في البنوك الوطنية، حال دون ذلك، ليفضل مهربو "الدوفيز" المخاطرة على إيداعها وتوظيفها في االبنوك الوطنية. ورغم الإجراءات الردعية التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة للتصدي لعمليات التحويلات غير الشرعية للعملة الصعبة، إلا أن ظاهرة تهريب العملة الصعبة تفاقمت لتصبح غطاء قانونيا للعديد من عمليات الاستيراد والتصدير، وترتفع بذلك الأموال المهربة من العملة الصعبة إلى الخارج ما قيمته 60 مليون أورو خلال السنة الماضية. وتستمر الظاهرة لتسجل مصالح الجمارك تهريب أكثر من 11 مليون أورو خلال الثلاثي الأول فقط لسنة 2018 وفقا لتقديرات فحسب، وهي أموال تم غسيلها في تعاملات تجارية ضخمت فواتيرها، واستحداث أساليب وحيل جديدة، كان آخرها حشو "الدوفيز" في الأحشاء. بالمقابل، تمكنت مصالح الجمارك من مصادرة أكثر من 5 ملايين أورو، كانت ستحوّل من طرف بعض الأشخاص إلى الخارج، بعد إحباط عمليات تهريبها في ظرف ثلاثة أشهر فقط، ابتداء من جويلية إلى غاية سبتمبر. وحاول أصحاب العملة المهربة تحويل هذه المبالغ من "الدوفيز" في الحقائب والسيارات وحتى الأحشاء، غير أنها تبقى دون حساب الأموال المعتبرة المهربة، من خلال التعاملات التجارية التي تجاوزت 60 مليون أورو خلال سنة 2017 وأكثر من 11 مليون أورو خلال السداسي الأول لسنة 2018. ولا تزال دول ما يعرف بالملاذات الضريبية تشكّل أهم الوجهات للعملة الصعبة المهربة من طرف الجزائريين، سواء تعلق الأمر بالأشخاص أو الشركات، ومن أبرزها دبي بالإمارات العربية المتحدة وإسبانيا وتركيا وتونس.