يحاول نواب الموالاة ومعهم زملاؤهم في كتلة الأحرار تجريد رئيس المجلس الشعبي الوطني، السعيد بوحجة، من صلاحياته الدستورية وتلك المنصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس، بما فيها ما صرح به رئيس لجنة الخارجية عبد الحميد سي عفيف بإخطار المجلس الدستوري. اجتمع نواب الرئيس من الموالاة ورؤساء اللجان التابعة لبحث الطريقة المثلى لاستئناف المجلس أشغاله من دون بوحجة رغم أن هذا التجاوز سيكون الأخطر، كونه يخرق الدستور والقانون العضوي المنظم لعلاقات الحكومة بالبرلمان، فضلا عن النظام الداخلي للمجلس. وبرأي خبراء القانون الدستوري، فإن هذا الإجراء يتناقض مع الدستور والنظام الداخلي للمجلس ومع القانون العضوي الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، إذ أن رئاسة اجتماعات مكتب المجلس واجتماعات هيئة الرؤساء التي تضم نواب الرئيس ورؤساء اللجان الدامية والكتل البرلمانية وكذا اجتماعات هيئة التنسيق المكونة من رؤساء الكتل، تقع تحت إشراف بوحجة ولا يمكن استدعاؤها للانعقاد إلا بطلب منه أو موافقته. وخلافا لما يروج له رئيس لجنة الشؤون الخارجية، عبد الحميد سي عفيف، عندما يقول إن النواب سيقومون بإخطار المجلس الدستوري بشأن شغور منصب الرئيس، فإن هذه الصلاحية معقودة بتحقق حالة من الحالات الأربع للشغور وهي الاستقالة أو الوفاة أو العجز أو التنافي، وهي غير متوفرة في حالة بوحجة. وفي السياق نفسه، ينص النظام الداخلي على أنه "في حالة شغور منصب رئاسة المجلس الشعبي الوطني بسبب الاستقالة أو العجز أو التنافي أو الوفاة يتم انتخاب رئيس المجلس الشعبي الوطني بنفس الطرق المحددة في هذا النظام الداخلي في أجل أقصاه 15 يوما اعتبارا من تاريخ إعلان الشغور"، ويتولى مكتب المجلس، الذي يجتمع وجوبا لهذا الغرض، تحضير ملف حالة الشغور وإحالته على اللجنة القانونية. وينطبق بطلان مبادرة نواب الموالاة على محاولتهم عقد اجتماع لمكتب المجلس دون رئيسه بوحجة، وذلك حسب المادة 11 من النظام الداخلي، التي تنص على أن مكتب المجلس يتشكل من رئيسه و9 نواب للرئيس، وبالتالي بطلان الخطوة. وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، يجمع المختصون في أحكام الدستور والفقه القانوني، في مختلف تدخلاتهم في وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها المحسوبة على الموالاة، على أن الأزمة يراد منها إرغام بوحجة على الاستقالة، وهو ما يتنافى مع الدستور ويشكل خرقا لأحكامه وانتهاكا للقانون العضوي والنظام الداخلي..
استقالات سابقة وبالمرور على تاريخ الاستقالات من البرلمان على مدى 56 سنة الماضية، فإننا سنجد أن أسبابها كانت سياسية، تتمثل في احتجاج رئيس المجلس التأسيسي، الراحل فرحات عباس، برسالة استقالة وقّعها بتاريخ 20 سبتمبر 1963، تضمنت عريضة من 20 صفحة شرح فيها الأسباب واحتجاجه على الانتهاك الصارخ من طرف رئيس الجمهورية آنذاك، أحمد بن بلة، لما عمد إلى ترؤس اجتماع في قاعة الأطلس بالعاصمة، قال فيه إنه حضره المناضلون وعرض أمامهم مشروع دستور الجمهورية الجزائرية الناشئة واعتبر التصويت اعتمادا له. ورد فرحات عباس بالقول على خطوة بن بلة إن إعداد الدستور من صلاحيات المجلس التأسيسي الذي يرأسه وهو منتخب من طرف الشعب الجزائري عبر الاقتراع المباشر ومهمته الحصرية هي إعداد دستور للبلاد، ولهذا السبب قدم استقالته دون ضغط أو إكراه ودون توقيع عريضة سحب الثقة منه. كما جاءت استقالة بشير بومعزة من رئاسة مجلس الأمة، وهو العضو غير المنتخب شعبيا بل معين في كتلة الثلث الرئاسي من طرف رئيس الجمهورية اليامين زروال ووضعيته الدستورية غير شبيهة بوضعية بوحجة، إذ غادر المنصب دون أن يتعرض للإكراه كما لم توقع عريضة لسحب الثقة منه، وإنما استقال طواعية بسبب خلاف مع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. أما كريم يونس، فإنه سار بمناسبة رئاسيات 2004 في تيار علي بن فليس ضد بوتفليقة، ولما استقرت نتائج الانتخابات على هزيمة المرشح الذي دعمه، اختار طواعية دون إكراه آو ضغط أو توقيع عريضة سحب الثقة منه أن يستقيل ويدخل منزله ويلزم الصمت. أما قضية السعيد بوحجة، فهي غير مسبوقة، لأنه ينتمي سياسيا للأفالان الذي يدعم رئيس الجمهورية، وكان من أوائل المبادرين لتأسيس الحركة التصحيحية في 2003 ومن أعضاء المكتب السياسي، في وقت لم يكن أحد يسمع حسيسا لأمين عام الأفالان جمال ولد عباس أو يُلحظ له حراك، كما ظل بوحجة وفيا لبوتفليقة بتأكيداته المتكررة في كل تصريحاته أنه سيبقى داعما له مهما كانت الظروف والأحوال. وبرأي خبراء في القانون الدستوري، فإنه منذ إنشاء المجالس البلدية والولائية في 1967 و1969 على التوالي، كانت قضية سحب الثقة من رئيس البلدية قائمة وثابتة، لكن في قانون البلدية الأخير حذفت هذه الإمكانية من القانون بذريعة أنها كثيرا ما مست باستقرار البلديات وأضرت بحسن سيرها، الأمر الذي يطرح السؤال على ولاة الجمهورية باعتبارهم الممارسين للوصاية على المجالس المحلية، وكذا على وزير الداخلية، كيف سيكون موقفهم لو سحب أعضاء مجلس بلدي ما الثقة من رئيسه، وهل سيصادقون على المداولة رغم حذف القانون هذه الإمكانية!!