لم ينخفض منسوب الحراك الشعبي منذ مسيرة 22 فيفري إلى غاية 12 أفريل، بل بالعكس من مسيرة لأخرى يرتفع العدد بشكل خرافي، رغم العراقيل والتحرشات والتضييق الممارس من طرف رموز "الثورة المضادة" . هذه الرسائل التي يرسلها الجزائريون من كل الولايات كل جمعة، تعني أن سلطات الأمر الواقع الذين يراهنون على تمرير أي "أجندة" سياسية أو انتخابية دون موافقة الشعب عليها، إنما هم في زمرة من يتآمرون على هذا الوطن. لم يتخلف الجزائريون في الالتحاق بالحراك الشعبي في الجمعة ال 8، بالرغم من الحصار الأمني الذي فرضته مصالح الدرك على مداخل العاصمة شرقا وغربا وجنوبا ، ولا شك في أن الأعداد ستحطم رقما قياسيا آخر يضاف إلى المليونيات السابقة التي أسقطت الخامسة والتمديد وطالبت برحيل النظام بوجوهه ورموزه، وبخريطة الطريق التي أراد بن صالح ومن معه تمريرها بحجة احترام الدستور. لقد كرست المليونيات ال 8 أن الذين كانوا يراهنون على تراجع الحراك الشعبي، من خلال ترويجهم للإشاعات والأكاذيب وممارستهم ل "التخويف"، قد جاءهم الرد أمس من حناجر الملايين "كل يوم مسيرة ماراناش حابسين". عندما يخرج الجزائريون للشارع وعددهم يفوق "الهيئة الناخبة"، فذلك يعد بمثابة استفتاء مباشر بالصورة والصوت، أن الانتخابات التي برمجت من قبل بن صالح يوم 4 جويلية، مرفوضة شعبيا "جملة وتفصيلا"، لأنها في واد وما يطالب به الحراك الشعبي في واد آخر، ما يعني أن الشعب الجزائري استرجع "التفويض" ولم تعد أي جهة مهما كانت قوتها تقرر في مكانه، فهو صاحب السيادة. عندما تنص المادة 12 من الدستور الذي يريدون تطبيق ما يصالح منه لبقاء النظام فقط، أن "الدولة تستمد مشروعيتها وسبب وجودها من إرادة الشعب"، فذلك يعني أن لا صوت يعلو فوق صوت الملايين من الجزائريين رجالا ونساء ولا أحد يحق له فرض الوصاية عليهم لا صالح ولا بن صالح ولا بدوي وحكومته. وطالما لم يدخل الجزائريون إلى بيوتهم عن قناعة راضين بما انتزعوه مرحليا، فإن كل مناورات السلطة في السعي للالتفاف على مطالب التغيير الجوهري والحقيقي، يندرج ضمن تأزيم الوضعية والابتعاد عن الحلول السياسية المتاحة، فقط من أجل الإبقاء على النظام والمنتفعين منه، وليس حبا أو من أجل إنقاذ الوطن. الجزائريون جرّبوا هذا النظام وصبروا معه صبر أيوب، وفي كل مرة كان يوصلهم إلى الطريق المسدود، بتغول الفساد ونهب وتبذير المال العام وتزوير الإرادة الشعبية وخلق مؤسسات لا تسمن ولا تغني من جوع، واقتنعوا هذه المرة أكثر من المرات السابقة، أنه نظام منتهي الصلاحية وأضحى يشكّل خطرا على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ولا بد من رحيله اليوم قبل الغد. فالحكمة والسلمية التي اعتمدها الحراك الشعبي تدعو النظام إلى "التعقل" وترك المغالبة جانبا ومناقشة أرضية ما يطلبه الشعب نقطة نقطة وفاصلة فاصلة دون لف أو دوران لتحقيق انتصار جزائري ومنح البلاد وثبة شعبية قد تنقلها لمستوى يليق بها، لأن الاستمرار في "تاغنانت" تعني أن الشعب سيكون شاهدا على من اغتال ثورته.