غرق نواب ما كان يسمى قبل 22 فيفري الماضي بالأغلبية البرلمانية الموالية للسلطة في بحر من الحيرة والقلق جراء موجة الرفض الهائلة لمشروع قانون المحروقات الجديد الذي تقترحه حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي. مصدر القلق والخوف حالة الغضب الشعبي على المشروع، التي وصلت بشائرها إلى قبة البرلمان الأحد الماضي باعتصام جمع غفير من المواطنين والطلبة، طالبوا خلاله النواب بعدم التعاطي مع مشروع القانون الذي يصفونه ب"قانون العار". ولم يخف عدد كبير من النواب خوفهم من مآلات هذا القانون عليهم، متسائلين في لقاءات ماراطونية داخل مكاتب اللجان وفي كواليس مبنى المجلس الشعبي الوطني عن مصيرهم في حال وافقوا على مشروع الحكومة، في وقت يطالب المواطنون بتأجيله إلى ما بعد الرئاسيات. ولعل أول المعنيين بهذا القلق والتساؤل رئيس المجلس الشعبي الوطني، سليمان شنين، الذي جاء إلى منصبه من بوابة المعارضة ممثلة بكتلة الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، وسط رفض ممن كان يجدر بهم أن يكونوا حلفاءه من التيار الإسلامي ومن أحزاب التيار الديمقراطي. وما يزيد من حرج سليمان شنين أن مترشح حزبه "حركة البناء الوطني"، عبد القادر بن ڤرينة، لم يتوان عن إعلان رفضه لمشروع حكومة نور الدين بدوي، مبررا ذلك بلغة هادئة مفادها أنه من الأفضل والمعقول إرجاء تمرير القانون إلى ما بعد الرئاسيات المقبلة، باعتبار أن القانون يكتسي طابعا استراتيجيا وأن الحكومة الحالية غير مؤهلة شعبيا وأخلاقيا للبت في قوانين بهذه الأهمية. وينسحب هذا الوضع على باقي التشكيلات السياسية الممثلة في البرلمان. فأحزاب الموالاة السابقة وقفت ضد خطوة حكومة بدوي المطالب بالرحيل من طرف الحراك الشعبي، وأيضا فعاليات المجتمع المدني والطبقة السياسية والشخصيات الوطنية التي تحاورت مع هيئة كريم يونس للحوار والوساطة، وهو ما جعل النواب المنتسبين للأفالان والأرندي والحركة الشعبية الجزائرية وحزب "تاج" يتحركون في كل الاتجاهات داخل المجلس الشعبي الوطني لاستقراء الاتجاه الصحيح بعد أن تعطلت بوصلتهم. في السابق، كان هؤلاء يتلقون الإيعاز بتأييد كل مشاريع الحكومة وعدم تقديم أي تعديلات على النصوص القانونية مهما كانت خطورة هذه الأخيرة (ولو بإضافة فاصلة)، لكن وبفضل الحراك الشعبي غير المسبوق فإن الكثيرين يؤكدون أنهم تحرروا من التعليمات الفوقية، وبالتالي سيتعاملون مع القانون في حال تمت برمجته للنقاش بكل حرية ومسؤولية تماشيا مع مطالب الحراك الرافض له. ويبدو أن الحكومة مصرة على المضي في مسعاها، خاصة بعد أن تضمنت كلمة نائب وزير الدفاع رئيس الأركان العامة للجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد ڤايد صالح، أمس، أمام قادة القوات البحرية، بالعاصمة، تنويها بمشاريع القوانين التي صودق عليها في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، الأحد الماضي، وهي قانونا المالية 2020 والمحروقات، بالإضافة إلى تعديلات القانون الأساسي للمستخدمين العسكريين. كما سيجد كل من الأمين العام بالنيابة للأرندي، عز الدين ميهوبي (المترشح للرئاسيات)، صعوبة في تبرير جدوى تحفظه على مشروع قانون المحروقات في حال أصرت الحكومة على تمريره، خاصة إذا علم أن الأفالان والأرندي لم يسبق لهما أن عارضا قانونا واحدا منذ 1997، باستثناء قانون منع استيراد الخمور الذي اقترحته حركة الإصلاح الوطني في قانون المالية 2004. وخلاف ذلك، لم يستطع البرلمان الجزائري قول "لا" لأي حكومة، بل كان مشاركا للحكومات المتعاقبة في إصدار وتمرير القوانين غير الشعبية خلال العقدين الماضيين. وتعليقا على "الجعجعة" الحاصلة في المجلس الشعبي الوطني، شكك نائب رئيس المجلس السابق، حاج العايب (نائب الأفالان عن ولاية باتنة)، في تصريح ل"الخبر"، في نوايا حكومة بدوي التي وصفها بأنها حكومة أنشأتها العصابة القابعة في السجن بتهم الفساد والتآمر على الدولة والجيش الوطني الشعبي، فكيف نقبل اليوم قانونا تتقدم به؟ وتساءل: "لا أفهم سبب تسرع هذه الحكومة في دعوة البرلمان لمناقشة والتصويت على القانون، لم يتبق للانتخابات الرئاسية سوى 57 يوما؟"، مضيفا: "لماذا لا يترك الأمر للرئيس القادم الذي سيجد نفسه مكبل اليدين بقانون هام يرهن ثورة الأجيال القادمة؟". وعن موقف قيادة الأفالان ونوابه في البرلمان، قال النائب حاج العايب: "أين الأفالان؟ لم يبق شيء اسمه الأفالان، كما لم يبق شيء اسمه المجلس الشعبي الوطني، حكومة العصابة هي التي تتحكم في الأمر ولا يمكننا الاستمرار في تغطية الشمس بالغربال". وذكّر الحاج العايب بما وقع سنة 2005 عندما تقدم شكيب خليل، وزير الطاقة آنذاك، بمشروع قانون يخص قطاع المحروقات، ولم يعلن رفضه له سوى وزير الداخلية وقتها، نور الدين يزيد زرهوني، لكن في النهاية تمت المصادقة على القانون في البرلمان بعدما ضغطت الحكومة برئاسة أحمد أويحيى، قبل أن يتم تعديله في العام الموالي بعد زيارة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز للجزائر.