قال الخبير الاقتصادي حميد علوان إن مهمة استرجاع الأموال المتداولة في الأسواق الموازية وإعادة ضخها في الاقتصاد الوطني، والتي تتراوح قيمتها، استنادا لتصريحات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بين 6 إلى 10 آلاف مليار دينار، مهمة صعبة و"شبه مستحيلة" بالنسبة لحكومة عبد العزيز جراد، في ظل انعدام الثقة بين الجزائريين والنظام البنكي المصرفي الوطني "غير الشفاف". بالمقابل، دعا علوان إلى الاستعجال في تصحيح مسار المنظومة البنكية التي أضحت "متعفنة وتقليدية". وكان الرئيس تبون قد أعلن في لقائه مع وسائل الإعلام الوطنية، يوم الجمعة الماضي، عن توجه الحكومة إلى البحث عن التمويلات اللازمة للنهوض بالاقتصاد الوطني، من خلال الاقتراض من الجزائريين الناشطين في القطاع الخاص "غير المهيكل"، أي الأموال المتداولة في الأسواق الموازية، مجددا رفضه الاعتماد على موارد التمويل الأخرى المتأتية من التمويل غير التقليدي أو الاستدانة الخارجية. وأكد علوان أن الحكومات المتعاقبة، رغم التحفيزات والتسهيلات الضريبية التي منحتها لأصحاب "أموال الشكارة"، فشلت في استقطاب أموال الأسواق الموازية، مشيرا إلى أن تمويل اقتصاديات الدول لا يتم باللجوء إلى الأسواق غير الرسمية، وإنما بالاعتماد على مدخرات الدولة الحكومية والمؤسساتية والعائلية، أو باللجوء إلى الموارد المتأتية من الضرائب المباشرة وغير المباشرة. في الإطار ذاته، تساءل الخبير عن الضمانات الجديدة التي ستعرضها الحكومة على أصحاب الشكارة لاستقطاب أموالهم، وعن المعايير التي ستحدد مستقبلا للتمييز بين رجال الأعمال "النزهاء" أو "غير النزهاء"، باعتبارهم الحلقة الأساسية في إنجاح عملية استرجاع الأموال المتداولة في الأسواق الموازية. وبالنسبة للمدخرات الحكومية، أوضح حميد علوان أنها تتآكل سريعا نتيجة انهيار أسعار النفط، خاصة الأشهر الأخيرة، بعد الأزمة النفطية العالمية التي تسببت فيها جائحة كورونا، ما جعل الحكومة تعجز عن ضخ جزء منها في الاقتصاد الوطني. أما عن ادخار المؤسسات، اعتبر الخبير أنه شبه منعدم، باستثناء سوناطراك، حيث تسجل جميع المؤسسات العمومية الخاصة عجزا ماليا يمنعها من تحقيق قيمة مضافة يعاد توزيعها على الاقتصاد الوطني في شكل أجور أو ضرائب أو أرباح. الشيء نفسه بالنسبة لإيرادات الدولة من الجباية، لاسيما البترولية التي سجلت تراجعا محسوسا بسبب تقلص حجم الإنتاج ومبيعات الجزائر من النفط. تجدر الإشارة إلى أن الجزائر تبقى المنطقة الأضعف من حيث تحصيل الإيرادات الجبائية العادية والبترولية، بما معدله 40 بالمائة فقط من إجمالي الإيرادات المتاحة. وحسب الخبير الاقتصادي، فإن الجزائر فشلت في استغلال مواردها المالية للنهوض بالاقتصاد الوطني سنوات البحبوحة المالية، ما جعل الحكومة السابقة تلجأ إلى التمويل غير التقليدي، وهي العملية التي فاقمت عجز الموازنة العامة بعد ضخ أموال طائلة دون أي مقابل اقتصادي، حتى الاستدانة من الخارج في الوضع الحالي لن تأتي بثمارها، حسب حميد علوان، في ظل غياب آلة إنتاجية وصناعية وطنية تضمن تحقيق مردودية اقتصادية ومالية تسمح للجزائر بتسديد قروضها مستقبلا. ويرى حميد علوان أن الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تتخبط فيها الجزائر منذ 2014، يتطلب إنشاء سوق مالي يضمن المنافسة الشفافة لمختلف المتعاملين الاقتصاديين، إلى جانب إعادة النظر في المنظومة التشريعية الضريبية ورقمنتها وتصحيح الطريقة المعمول بها لتقييم العملة الوطنية.