أجبر وباء كورونا المؤسسات الاقتصادية والخدماتية على تغيير طرق عملها بشكل عميق، فرغم رفع الحجر الصحي لا يزال "العمل عن بعد" من قِبل العمال والموظفين معتمدا، بل هناك توجه عالمي لاعتماده بصفة دائمة. ويتوقع أن تلجأ الحكومات إلى تعديل قوانين العمل الكلاسيكية بالشكل الذي يعتمد هذه الطريقة الجديدة في العمل رسميا. كشفت دراسة بشأن "العمل عن بعد" الذي فُرض على الموظفين لمحاصرة وباء كورونا أن 40% من المؤسسات في ألمانيا وبريطانيا تخطط لاستخدام هذه "الآلية" الجديدة في العمل على المدى الطويل. ويؤكد هذا الأمر أن وباء كورونا المستجد مكّن الشركات من بدء تجربة نموذج العمل عن بُعد بشكل أسرع بكثير مما خططت له. وأضحى الحديث اليوم وسط مختصي تسيير الموارد البشرية عن "ثورة العمل عن بعد" في جميع أنحاء أوروبا. ونقلت صحيفة "لوموند" عن بيترتشيز، مدير معهد "تشارترد" للأفراد والتنمية، الهيئة التي تمثل مهن الموارد البشرية، قوله "لقد شكل الوباء أكبر تجربة للعمل عن بعد على الإطلاق، وأدرك الناس أنها نجحت" في المملكة المتحدة. وبرأي المتحدث "إننا نمر بتغيير طويل الأمد. حتى بعد السيطرة على كوفيد 19 لن نعود إلى العمل المنتظم في المكتب"، فهل يعني أن وباء كورونا وضع حدا لحقبة زمنية وفتح أخرى جديدة تعتمد أساليب أخرى في تقسيم العمل؟ في عملية استطلاع لدى آلاف الشركات البريطانية، أعرب 37% منها أنهم يتوقعون أن يعمل موظفوها جزئياً من المنزل بعد الأزمة الصحية، مقارنة ب18% قبل ظهور الوباء. الأمر نفسه ينطبق على ألمانيا وفقًا لمسح أجراه معهد "فراونهوفر" لاقتصاديات العمل في شهر جويلية الفارط، فمن بين 500 شركة قرر 42% توسيع إمكانيات العمل عن بُعد في المستقبل. ويلاحظ أنه بعد رفع الحجر الصحي في مختلف دول العالم لا يزال الحديث عن إمكانية استمرار نموذج "العمل عن بعد"، ليصبح دائما في بعض المهن، يتزايد بقوة بعد نجاح تجربته بسرعة قياسية، بل ولم يعد مرتبطا بالتغلب على الوباء، ما يعني أن التوجه مستقبلا من قبل الحكومات سيكون باتجاه مراجعة قوانين العمل الكلاسيكية التي كانت تعتمد بشكل شبه كلي على الحضور المكتبي، بترجيح كفة "زيادة العمل من المنزل". وبيّنت تجارب أجريت في الصين من خلال وكالة سياحية أن إنتاجية العمل عن بعد (من المنزل) قبل كورونا ازدادت بنسبة 13%، وارتفعت خلال مرحلة كورونا إلى 20%. وضمن هذا السياق، شدد البنك الدولي في توصياته مؤخرا على ضرورة تسخير الثورة الرقمية لرفع الإنتاجية لمواجهة التحديات المستقبلية. وتتوقع تجارب ودراسات جارية حاليا في عدة دول أن يكون "العمل عن بعد" بمثابة "ثورة" ستجتاح العالم بعد جائحة كورونا، تبعا للدروس المستخلصة من هذه الأزمة الصحية التي ضربت العالم دون استثناء، حيث تبيّن أن الشركات التي تكيّفت بسرعة مع طبيعة المهن وعلاقات العمل، هي من استطاعت الصمود والحفاظ على قدراتها الإنتاجية رغم صعوبة الأزمة.