يواجه محافظ بنك الجزائر الجديد، فاضلي رستم، تركة ثقيلة من الإصلاحات النقدية والبنكية التي أثبتت فشلها، طيلة السنوات الماضية، حيث أدت إلى انهيار غير مسبوق لقيمة الدينار، ترتب عنه تراجع ملحوظ للقدرة الشرائية للجزائريين، مع ارتفاع في معدلات التضخم والبطالة. يأتي تعيين محافظ البنك المركزي الجديد في وقت حرج وصعب تعيشه البلاد، في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة التي تمر بها الجزائر، بعد أن تهاوت احتياطات الصرف إلى أقل من 60 مليار دولار. ومن أهم الملفات التي سيضطر محافظ البنك المركزي الجديد إلى معالجتها بسرعة؛ تلك المتعلقة بالقضاء على مشكل نقص السيولة النقدية الذي تم تسجيله في مكاتب البريد منذ العديد من الأشهر، خاصة بعد أن وعد وزير المالية أيمن عبد الرحمان بحل هذا المشكل مع حلول شهر أكتوبر المقبل، لكن دون أنّ يذكر تفاصيل عن الوصفة السحرية التي ستعتمدها وزارة المالية لتوفير السيولة، في وقت تعاني فيه اقتصاديات أكبر دول العالم من تراجع غير مسبوق لمؤشراتها المالية نتيجة الركود الاقتصادي الذي تسببت فيه جائحة كورونا. كما سيعمل فاضلي رستم على البحث عن تمويلات جديدة للاقتصاد الوطني، في ظل تراجع موارد الدولة من العملة الصعبة، نتيجة تهاوي أسعار البرميل إلى مستويات قياسية جراء الجائحة، وذلك من خلال إيجاد ميكانيزمات جديدة لإنجاح العملية التي فشلت الحكومات المتعاقبة في تجسيدها، والمتمثلة في استقطاب أموال "الشكارة" المتداولة خارج القنوات الرسمية التي ارتفعت، استنادا لتقديرات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى أكثر من 6 آلاف مليار دينار. وفي هذا الشأن، يرى الخبراء الاقتصاديون أن إعادة ضخ أموال الأسواق الموازية في الاقتصاد الوطني، يستدعي إعادة ثقة المواطنين بالنظام البنكي المصرفي الجزائري والسياسة النقدية المتبعة من طرف البنك المركزي. ملف إعادة بعث قيمة الدينار، سيكون هو الآخر من الملفات الثقيلة التي ورثها المحافظ الجديد عن سابقيه في المنصب، حيث لا تزال تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعرفها الجزائر تلقي بخسائرها على قيمة الدينار التي جعلت منه العملة الأضعف في المنطقة، إذ تراجعت قيمة الدينار الجزائري بما يتجاوز معدله 50 بالمائة في السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس سلبا على القدرة الشرائية للجزائريين وتسبب في تدهور معيشة عدد كبير من العائلات والأسر. أما بالنسبة للخسائر التي يتكبدها المتعاملون الاقتصاديون جراء الانخفاض المحسوس لقيمة العملة الوطنية، سيعكف المحافظ الجديد على إيجاد الميكانيزمات التي ستعمل على التكفل بمخاطر الصرف، مثلما أمر به رئيس الجمهورية. كما سيدرس المحافظ آليات تطوير سياسة عصرنة نظم وسائل الدفع، بالإضافة إلى السهر على مكافحة تبييض الأموال وتهريبها إلى الخارج، كلها ملفات ثقيلة ستطرح على طاولة المحافظ الجديد الذي أعلن الرئيس عن تنصيبه في اللقاء الذي جمعه ببعض وسائل الإعلام الوطنية وبث سهرة يوم الأحد. ويشهد لفاضلي رستم، حسب ما أسرت به مصادر عليمة في تصريح ل"الخبر"، خبرته الكبيرة والواسعة في المجال المصرفي والبنكي بحكم السنوات الطويلة التي قضاها في البنك المركزي، وتفوق الثلاثين سنة، حيث تدرج في العديد من المناصب، كان أهمها مديرا عاما للعلاقات المالية والخارجية، ثم مستشارا لمحافظ بنك الجزائر الأسبق، محمد لوكال. هل تنوي الحكومة طي ملف التمويل غير التقليدي نهائيا؟ على صعيد آخر، أعلن رئيس الجمهورية عن مراجعة قانون النقد والقرض الذي تم اعتماده منذ 30 سنة، ولم يطرأ عليه أي تغييرات سوى تلك المتعلقة بدمج بعض المواد سنة 2003، لتقرر حكومة الوزير الأول الأسبق، أحمد أويحيى في 2017 إدراج قرار طبع الأموال ضمن مواد القانون. فهل ستستغل الحكومة فرصة مراجعة هذا الأخير لتمحو آثار سياسة التمويل غير التقليدي نهائيا من خلال حذف قرار طبع الأموال، وبالتالي غلق أي احتمالية أمام العودة إليه، خاصة بعد أن اختار الرئيس الابتعاد عن هذا الخيار كمخرج لمجابهة الأزمة المالية الحادة التي تتخبط فيها البلاد. وقالت مصادر عليمة ل"الخبر"، إنّ مراجعة قانون النقد والقرض ستركز على الآليات والميكانيزمات التي ستعمل على عصرنة وتحديث القطاع البنكي والمصرفي في الجزائر، إلى جانب تسهيل العمليات التجارية وتشجيع الاستثمار.