اختارت الأحزاب السياسية اللبنانية سعد الحريري رئيسا للوزراء، بعد عام من تنحيه عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية. وطالب المحتجون بإعادة هيكلة النظام السياسي بشكل كامل في شهر أكتوبر / تشرين أول الماضي وسط أزمة اقتصادية خانقة. وساهم انتشار فيروس كورونا في مفاقمة الأزمة بشكل كبير ، ثم جاء الانفجار المدمر في ميناء بيروت في شهر أغسطس/آب. وأدى انفجار الميناء الذي يعزوه الكثيرون إلى إهمال الحكومة، إلى استقالة حسان دياب الذي خلف سعد الحريري في منصب رئيس الوزراء. ثم استقال مصطفى أديب، الذي عين خلفا لدياب، الشهر الماضي بعد فشله في الحصول على دعم كاف لحكومته. ووجه هذا ضربة للمبادرة الفرنسية التي تتطلب أن ينجز السياسيون إصلاحات عاجلة وأن يعالجوا الفساد مقابل مليارات الدولارات من المساعدات الدولية. وقد اشتكى الرئيس ميشيل عون في كلمة متلفزة من أن النواب والمسؤولين لم ينفذوا الخطوات التي وعدوا بها. وتساءل في كلمته "أين الإصلاحات؟ أين البنود التي قدمت إلى رؤساء الكتل البرلمانية والأحزاب؟ إن صمت أي مسؤول وغياب التعاون في عملية تدقيق حسابات البنك المركزي يثبت أنه شريك في الفساد والتبديد". اليأس يسيطر مع تراجع آمال التغيير في لبنان بعد عام: أين نجح وأين أخفق حراك تشرين في لبنان؟ هل يسدل انفجار بيروت الستار على النظام الطائفي في لبنان؟ لماذا يواجه لبنان أزمة؟ بدأ الاقتصاد اللبناني في الانهيار خلال فترة حكومة الحريري الأخيرة. ووصل معدل النمو في البلد الأكثر مديونية في العالم إلى الصفر وفقدت العملة قيمتها في السوق السوداء بسبب نقض حاد في الدولارات الأمريكية. وارتفعت معدلات البطالة والفقروتفاقم الغضب الشعبي بسبب عجز الحكومة عن تأمين الخدمات الأساسية. واندلعت الاحتجاجات التي أجبرت الحريري على الاستقالة بعد أن اقترحت حكومته فرض ضريبة على مكالماتت تطبيق "واتسآب" من أجل زيادة عائدات الدولة. وتحول الغضب الشعبي إلى حراك شامل ضد النخبة السياسية التي يتهمها الكثير من اللبنانيين بالفساد وتبديد الثروات وسوء الإدارة والإهمال. وكان من أهم مطالب المحتجين حكومة خبراء أو تكنوقراط. يذكر أن توزيع السلطة في لبنان مؤسس على مصالح طائفية، حيث تعتمد التعيينات السياسية والكثير من الوظائف الأخرى على الانتماء لواحدة من الطوائف الثمانية عشر المعترف بها ، وهو ما أدى إلى التقسيم الطائفي. وينص الميثاق الوطني لعام 1943 على أن يكون الرئيس مسيحيا ورئيس الوزراء مسلما سنيا ورئيس البرلمان مسلما شيعيا. ما الذي أدى لعودة الحريري؟ تبعت استقالة الحريري قبل سنة شهور من الأزمة، حيث لم يتفق السياسيون المتخاصمون على خليفة له بينما تفاقمت الأزمة واستمر الغليان الشعبي. ودفع حزب الله وحلفاؤه باتجاه تعيين دياب. وعجز لبنان عن سداد مستحقات الديون الأجنبية للمرة الأولى في تاريخه في شهر مارس/آذار ، بعد فترة قصيرة من اكتشاف أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا. وأدى الوباء إلى شل الاحتجاجات لكنه زاد في تفاقم الوضع وكشف عجز نظام التأمين. واضطرت الكثير من المشاريع التجارية إلى تسريح العاملين فيها أو صرفهم مؤقتا بدون رواتب. وفقدت الليرة اللبنانية قيمتها بشكل حاد، ووضعت البنوك قيودا على سحب العملات الصعبة، وعجزبت بعض العائلات عن شراء الاحتياجات الأساسية. وكان لبنان قد بدأ باستعادة عافيته عندما أدى حريق إلى انفجار 2750 طنا من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة في ميناء بيروت. وأدى الانفجار الضخم إلى مقتل 200 شخص وجرح 6 آلاف، وسبب أضرارا اقتصادية بقيمة تقدر ب 4.6 مليار دولار. وأشعل الانفجار الغضب الشعبي من جديد على الزعماء السياسيين وأدى إلى اندلاع احتجاجات جديدة . واستقال دياب وحمل "نظام الفساد المتغلغل في كل مناحي الدولة" المسؤولية. &