تشهد حالات الإصابة بفيروس كورونا الناجمة عن انتقال العدوى داخل الوسط العائلي ارتفاعا متزايدا في المجتمع الجزائري، لأسباب أرجعها المختصون إلى الثقة المفرطة والعمياء بين أفراد العائلة الواحدة، والتراخي في تطبيق التدابير الوقائية داخل البيوت وفي التجمعات العائلية، بعد قضاء فترات طويلة في الخارج. "سليم"، 42 سنة، لم يكن يعلم يوما أنه مصاب بفيروس كورونا وكعادته قام بزيارة خاطفة لوالديه بحكم أنه يقطن رفقة عائلته الصغيرة بعيدا عنهما بأزيد من 50 كيلومترا، ليفاجأ بعد أيام قليلة بإصابة أبيه بالوباء، حيث أدخل إثرها المستشفى وهو يعيش حاليا على وقع مضاعفات الإصابة، قبل أن يكتشف أنه هو الذي نقل له العدوى عندما قام بعملية فحص ووجد نفسه كذلك من المصابين.
العاطفة أقوى من الحذر يقول سليم "لن يرتاح ضميري من اليوم وأنا متيقن أنني السبب في الوضعية الصعبة التي يعيشها الوالد"، مضيفا "كان بإمكاني أن أكون حذرا عندما التقيت بأمي وأبي بعد غياب دام أزيد من شهر، لكن العاطفة كانت أقوى لما قمت بتقبيلهما كالعادة". "سليم" ليس الوحيد الذي نقل الفيروس إلى أفراد عائلته، بل هناك الكثيرون ممن أصيبوا بوباء "كوفيد-19" بسبب اللقاءات العائلية سواء على مستوى الأسر الصغيرة أو الكبيرة، سيما ما تعلق بالزيارات، حيث كشفت نتائج التحقيقات الوبائية التي أجرتها المصالح المعنية بأن حالات الإصابة بالفيروس الناجمة عن انتقال العدوى في الوسط العائلي، أضحت كبيرة جدا مقارنة بتلك التي تحصل من جراء الاحتكاك في الفضاءات العمومية والشوارع. وتعد الثقة المفرطة التي تميز الفرد تجاه باقي أقاربه من أهم الأسباب التي تؤدي إلى نقل العدوى في المحيط العائلي، حيث أشار مختصون بأن أغلب العائلات الجزائرية بحكم عاداتها وسلوكاتها، لا تزال تعيش داخل البيوت بصورة طبيعية، سواء في مأكلها وملبسها وفي مجال الاحتكاك، دون مراعاة لأدنى شروط الوقاية من الفيروس. فتجد الفرد يزاول عمله أو دراسته في مؤسسته ملتزما بإجراءات الوقاية المعمول بها من ارتداء للكمامة وتباعد جسدي واجتماعي واستعمال المعقمات، لكنه بمجرد الدخول إلى البيت يمارس حياته بصفة عادية ودون أية تدابير، وهو ما يسهل من انتقال العدوى في حال وجود إصابات وسط الأفراد. وفي هذا الإطار، يؤكد "محمد" -إطار بمؤسسة عمومية- أنه قام بتطبيق بروتوكول صحي داخل منزله في الأشهر الأولى من بداية الوباء، وذلك بفرض استعمال المعقمات على أفراد العائلة وعدم الاشتراك في أواني الأكل.. وغيرها، لكن سرعان ما تم التخلي في المدة الأخيرة عن العمل بهذه التدابير، مضيفا "أصبحت أحس وكأنني مقيد في بيتي أثناء الالتزام بشروط الوقاية، وهو ما جعلني أتخلى عن ذلك تدريجيا... وربي يستر". من جهته، يرى "عماد" الذي ينشط في مجال التجارة بأنه كثيرا ما يحاول تطبيق تدابير الوقاية داخل البيت، لكنه يفشل في ذلك، بسبب كما قال "عدم التزام الأبناء والزوجة للشروط المطلوبة سواء التباعد أو استعمال المعقمات، ما يجعل مبادراته دون فائدة"، مضيفا "الوضع في البيت يعد صورة مصغرة عما هو عليه في المجتمع... من الصعب تطبيق ما يجب من إجراءات إلا إذا أديت دور الشرطي مع أفراد العائلة". ويرى الدكتور بواب ضياء الدين، أخصائي في أمراض الغدد والسكري بمدينة جيجل، أن آخر الدراسات حول انتشار فيروس كورونا المستجد تشير إلى أن التجمعات العائلية أصبحت تساهم بشكل كبير في انتقال العدوى "لأنه غالبا ما يتخلى الفرد في مثل هذه الفضاءات عن التدابير الوقائية، بحكم عامل الثقة المتزايد بين أفراد الأسرة الواحدة، سواء الكبيرة أو الصغيرة وهو ما يلاحظ في بلادنا". ويضيف الدكتور بواب أنه حاليا أغلب حالات الإصابة بالفيروس سجلت في تجمعات عائلية سواء داخل عائلة صغيرة ومن خلال الزيارات، وكذا في مناسبات الأعراس والمآتم، وحدث في جيجل أن أصيبت امرأة بالفيروس وتسببت في نقل العدوى ل32 شخصا آخر من أقاربها على مستوى أحد الأعراس. وأكد المتحدث بأن التحقيقات الوبائية تشير إلى أن الحاملين للفيروس دون أعراض هم أكثر المتسببين في نقل العدوى في البيوت والتجمعات العائلية، "لهذا ينصح بالاستمرار في التدابير حتى بين أفراد الأسرة الواحدة وذلك بارتداء الكمامة والتعقيم وعدم تقاسم أواني الأكل والاعتماد على الأواني ذات الاستعمال الوحيد، وكذا الالتزام بالتباعد داخل البيوت إن أمكن".