"سيدي الرئيس، ملف "بور تي في" معطل.. خرجت لتوي من المحكمة"، "القاضي يقول إنه يحتاج أوامر من أعلى.. نريد تدخلا". رسالتان نصيتان تلقاهما "رجل الأعمال" علي حداد وحولهما إلى "الوزير" الطيب لوح عن طريق "المستشار الشقيق" السعيد بوتفليقة، كانتا كافيتين لتحويل مجرى محاكمة وتسييرها لصالح من أرادهم كبار نافذي فترة الرئيس السابق. أسرار مثيرة كشفت عنها تحقيقات ملف التأثير على القضاة، تظهر الكيفية التي كان يتصرف بها "كبار القوم" في جهاز العدالة، عبر رسائل نصية قد لا تستغرق كتابتها بضع ثوان دون الشعور بأي عقد ذنب تجاه ضحايا هذا التعسف. ويظهر في ثنايا التفاصيل التنسيق المحكم بين مستشار الرئيس السابق وشقيقه السعيد بوتفليقة ووزير العدل الطيب لوح، في قضايا كان يتدخل فيها رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، تارة تتعلق بمشاكله الشخصية وأخرى بمعارفه وأصدقائه. وخلص التحقيق ووفق ما ذكرته مصادر مطلعة على أوراق الملف ل"الخبر"، إلى أن السعيد بوتفليقة تدخل 3 مرات لدى المتهم الطيب لوح في قضايا كانت معروضة أمام العدالة، وأن نتائج هذه التدخلات كانت لصالح المتدخل لفائدتهم. وتتعلق القضية الأولى بنزاع سبق ظهوره إلى الإعلام حول علامة قناة "بور تي في" بين كتان ناصر ورضا محيقني في القسم التجاري لدى محكمة سيدي امحمد. والقضية الثانية التي عالجتها الغرفة الخامسة لدى محكمة سيدي امحمد، فتخص مدير نشرية إلكترونية. أما القضية الثالثة، فتتعلق بالإفراج عن أخ لصديق حميم للسعيد بوتفليقة كان محبوسا في قضية نفقة. كما أظهرت التحقيقات أن الطيب لوح وجه بدوره رسائل نصية قصيرة إلى السعيد بوتفليقة ذكر في إحداها اسم مسؤول في سلك القضاء كان يحتاج تكفلا طبيا، وفي أخرى رقم هاتف المفتش العام بوزارته بن هاشم الطيب وذلك لاستعماله في الضغط على القضاة لفائدة علي حداد في قضية نزاعه مع سعيد عليق حول استغلال شعار فريق "اتحاد العاصمة". ناهيك عن الرسائل التي جمعت الوزير مع المستشار في قضية وزير الطاقة السابق شكيب خليل وأفراد عائلته، والتي تناولتها "الخبر" بالتفصيل سابقا. وفي التفاصيل المتعلقة بقناة "بور تي في"، تبين من خلال التحقيق أن علي حداد تبادل مع موظفة عنده تشتغل بالشؤون القانونية، رسائل نصية أخبرته فيها أن القاضي المكلف بالقضية الخاصة بالفصل في علامة "بور تي في"، أعلمها أنها تتطلب تدخلا من الأعلى. وكان علي حداد -وفق التحقيقات- قد تدخل لصالح كتان ناصر الذي يقول إن العلامة ملكه في فرنسا وتم الاستيلاء عليها، ووعده بالمساعدة في هذه القضية، وبرر ذلك بأنه أراد فقط "فعل الخير". وتلقى حداد رسالتين بتاريخ 13 نوفمبر 2018 من طرف مستشارة قانونية تعمل عنده كلفها بالموضوع، أخبرته فيهما أنها بعد أن زارت المحكمة اكتشفت أن الملف معطل وأن القضية تحتاج تدخلا من الأعلى، وقام حداد بتحويل نص الرسالتين إلى السعيد بوتفليقة على رقم هاتفه في نفس اليوم، ثم تلقى الطيب لوح نفس الرسالة النصية يوم بتاريخ 19 ديسمبر 2018. وسارت الأمور بعد ذلك بالشكل الذي أراده حداد، فقد تلقى رسالة نصية من موظفته القانونية في 29 جانفي 2019 تخبره أنه تم النطق بالحكم والنتيجة إيجابية. واعتبرت النيابة هذا التصرف الذي اتخذه علي حداد عن طريق السعيد بوتفليقة للتدخل لدى المتهم الطيب لوح، وزير العدل آنذاك، لصالح مؤسسة "بور تي في"، قرينة من شأنها توطيد الاتهام عن جرم المشاركة في سوء استغلال الوظيفة والتحريض على التحيز، بالنسبة للمتهمين علي حداد والسعيد بوتفليقة وسوء استغلال الوظيفة للمتهم الطيب لوح، على الرغم من إنكار الأخير تلقيه تلك الرسائل النصية.
السعيد بوتفليقة يدافع عن نفسه
وفي دفاعه عن نفسه خلال التحقيق معه، صرح السعيد بوتفليقة بأنه لا يعلم محتوى هذه الرسائل الخاصة بعلي حداد، وأشار إلى أنه حولها إلى وزير العدل للاستفسار. وأصر على أنه يجهل هذه القضية، مشيرا إلى أن هذا التعسف ليس من أخلاقه، فقد كان دائما يدينه في كل الحالات. وأشار إلى أنه حتى وإن كانت له علاقة مع حداد أو الطيب لوح، لم يكن يتدخل في قضايا العدالة ولم يتحيز لفائدة أي شخص، كذلك الشأن بالنسبة للرسالة المتعلقة بمدير نشرية إلكترونية، فقد ذكر أنه يجهل هذا الشخص تماما. عكس ذلك استرسل السعيد بوتفليقة في الحديث عن ملابسات الرسالة التي وجهها للطيب لوح بخصوص صديقه، وهو شخص يقيم في فرنسا –حسبه- والتقاه لما كان في عطلة بالجزائر فأخبره أن شقيقه يوجد رهن الحبس في قضية نفقة وأن هذه النفقة تم تسديدها، وعمد السعيد بعد ذلك وفق روايته إلى إرسال رسالة نصية للطيب لوح حول وضعية هذا المحبوس، لأنه تكهن بأن وضعيته ليست خطيرة، وعلم بعد ذلك أنه تم إطلاق سراحه بعد 10 أيام. وبنفس الأسلوب العاطفي الذي اعتمده أمام المحكمة العسكرية في قضية التآمر، قال السعيد بوتفليقة إنه لم يستول على خيرات البلاد ولم يكن مستوليا على السلطة، وأبرز أن شقيقه الرئيس هو مالك القرار، بينما كان هو -على حد زعمه- مستشارا مثل بقية المستشارين، مشهدا الله على ما يقول. ويواجه المتهمون من كبار المسؤولين السابقين في هذه القضية الضخمة التي انتهى فيها التحقيق وتم توجيهه لمحكمة الجنايات، تهما خطيرة جدا، يعد ما تم كشفه منها لحد الآن جزءا يسيرا منها، وفق المصادر. واجتمعت في هذه القضية كل عناصر الفساد السياسي والمالي والقضائي الذي كان يعشش في أجهزة الدولة.